عبدالله بن موسى الطاير
يبدو أن شتاء إيران قد تحول إلى ربيع سابق لأوانه، فالناس خرجوا إلى الشوارع يشتكون وضعًا اقتصاديًا بائسًا، وهم يرددون شعارات لاذعة للقيادتين السياسية والدينية. المحتجون في مشهد وقم وطهران وكرمنشاه رددوا شعارات من أمثال «أضحي بحياتي في سبيل إيران وليس غزة أو لبنان»، و»الموت للرئيس، والموت للدكتاتور» أي خامنئي.
لقد وصلت الحاجة إلى التغيير البطون، فالنظام عاجز عن إطعام الناس كما هو عاجز عن تأمينهم وعلاجهم. لقد استفز الشعب بعجز الحكومة عن إغاثة الضحايا وإيوائهم ومساعدتهم بعد زلزال كرمنشاه الذي أودى بحياة نحو 600 شخص في نوفمبر الماضي. وظهرت الحكومة عاجزة في أحلك الظروف على المستوى المحلي في حين تواصل الإنفاق على حروب في المنطقة لا يستفيد منها الإيرانيون. لقد تحولت طهران في خلال العقود الماضية إلى مدينة من طبقتين غنية جدًا قادرة على العيش فيها رغم الغلاء الحارق، وفقيرة جدًا وجدت الدفء تحت أقدام الأغنياء من زبانية النظام. وعند هذا الحد خرج الناس رغم البرد والجوع والخوف ليقولوا للملالي: كفي تجويعًا للشعب، وكفي تصديرًا لثرواته لتمويل الحروب في الخارج. فهل سيتسلم النظام؟
أولى حيل النظام بدأت بدس شعارات تبدو مدسوسة لأهداف تريدها الحكومة كترديد شعار «الذي ليس له شاه مسكين». وتعمل أبواق النظام في الخارج على تضخيم ردِة المتظاهرين عن الثورة حتى تُفقِدهم تعاطف شرائح واسعة من الشعب ثارت على حكم الشاه وعلى الأوضاع في عهده، وتصوير الحراك الحالي على أنه عودة بالبلاد إلى الحكم الملكي. الشعب الإيراني ثار على الشاه وألقى الناس أنفسهم إلى التهلكة للخلاص من واقعهم الأليم وليس لتنصيب الملالي سلطة دكتاتورية كهنوتية لا تقبل النقد ولا تعترف بالخطأ لأنها معصومة بزعم القائمين عليها؛ لقد كان الثائرون يبحثون عن حياة أفضل على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويستثمر النظام حتى الآن سمعة تلك الثورة الأصيلة لقمع ثورة أخرى خرجت من رحم المعاناة التي بعد نحو 4 عقود من الطغيان المغلف بالدين.
الخشية أن يلقى هذا الربيع مصير انتفاضة 2009م التي دفنها باراك أوباما برسائله الإيجابية مع النظام مما أشعر الثائرين بأن العالم يخذلهم ويسلمهم إلى آلة الموت التي لا ترحم. والمخاوف التي تساور الإيرانيين في الداخل تتمثل في وحشية حراس النظام من الأجانب حيث يعيش في إيران نحو 3 ملايين أفغاني شارك نحو 20 ألفًا منهم في سوريا. فالنظام سوف يدافع عن وجوده بكل الإمكانات التي تتوفر له ولن يستنكف عن خوض حرب أهلية لا تبقي ولا تذر من أجل بقاء أيدلوجية ولاية الفقيه. إن صمود المتظاهرين شهرًا واحدًا فقط كفيل بإحداث فرق كبير في الداخل الإيراني، وسيقود ذلك إلى إنهاك النظام وتخبطه ومن ثم دق آخر المسامير في نعشه. والشعرة التي سيتعلق بها النظام هي الدعاوى الانفصالية والتلويح بحرب خارجية ضده لأنها سوف تعزز من قدرته على استعادة الداخل الإيراني، وسيعمل بكل وسيلة للترويج لكل الدعاوى التي تؤدي إلى توحد الداخل ضد الثائرين. ولذلك فإن المطلوب هو دعم المتظاهرين معنويًا، وفضح النظام خارجيًا، وإبراز فشله في تحقيق مشروعه الذي أنفق عليه المليارات في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وتكثيف الحصار الاقتصادي، واتخاذ الرئيس ترامب قرارًا بالخروج من الاتفاق النووي للضغط أكثر على النظام في الداخل. إذا كان الغرب يريد إسقاط النظام من الداخل فإنه مطالب بإعلان مواقف مؤيدة للمتظاهرين وتوجيه إنذار حازم للنظام بعدم استخدام القوة ضد المواطنين العزل. أما تمييع المواقف وتردد دول مثل دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا وعدم إيلاء أهمية لهذا الحراك الشعبي الناقم فإنه ذلك سيعني تضييع فرصة ثمينة ربما لن تعود قبل عشر سنوات من الآن.