عمر إبراهيم الرشيد
تتعاقب الأيام وتتوالى السنون وتأبى قضية العرب الأولى أن تموت، مهما علا نعيق وجأر نباح، ولم يستفد من نكبات العرب اليوم مثل الكيانين المتآزرين خلف الستار، الصهيوني المحتل ونظام الملالي. عهد التميمي ابنة السبعة عشر ربيعاً والتي صفعت جندياً صهيونياً وبكل شموخ وإباء، صفعت معه تاريخ الاحتلال الصهيوني لفلسطين وباقي الأراضي العربية المحتلة. هل ما أقول مجرد شعارات رومنسية وعواطف تذروها رياح الزمن؟ ربما هذا صحيح، لو لم تحتجز سلطات الاحتلال الفتاة عهد وتقدمها للمحكمة العسكرية في الضفة الغربية، لأنها رأت في الصفعة معاني مؤلمة لهذا الكيان المحتل. رأت في الأفق الجيل القادم الذي سوف يستعيد حقوقه، وما عهد ابنة السبعة عشر ربيعاً إلا ولادة منتظرة لواحد أو أكثر من أبطال قادمين ليستعيدوا حقوق أرضهم وشعبهم، لذا فالصفعة تعدت أثرها وإهانتها المباشرة إلى إهانة لهذا الكيان، وما عهد التميمي إلا واحدة من شعب يظهر في كل سانحة أنه منتقم لحقه مهما تطاول زمن الاحتلال. وحين أقول الشعب فليس هناك حاجة للشرح، إلا للتذكير بأنه الشعب المرابط الصابر في الداخل الفلسطيني الذي لا يملك إلا حجارة أو سلاحاً أبيض أو يديه العاريتين كما فعلت عهد حين صفعت الجندي المدجج بالسلاح والعتاد، ولا أتحدث عن التنظيمات الفلسطينية رسمية كانت أو حزبية، التي وللأسف لا تتفق على تسوية في يوم ما إلا لتنقضها في اليوم الثاني، مفسحة الطريق للصهاينة لإكمال مشروعهم بكل أريحية.
قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال شر في حقيقته دون شك واستمرار لدعم قديم جديد من قبل العم سام للصهاينة، تعاقب على تعهدها بالرعاية والدعم كل رئيس أمريكي إلى جانب المؤسسات الرسمية واللوبيات على اختلاف مجالات عملها هناك. لكن لم تقف دول العالم ضد واشنطن في مجلس الأمن كما وقفت ضدها هذه المرة اعتراضاً على قرارها بشأن القدس، باستثناء دويلات لا وزن لها يذكر، حتى إن دولاً لها تأثيرها الدولي امتنعت عن التصويت لكنها على الأقل لم تؤيّد القرار . لم تشعر واشنطن بمثل هذا الشعور بالنبذ في قاعة حكومة العالم من قبل، ومثل هذا القرار كما قلت نبه العالم من جديد وصرف أنظاره إلى الأراضي المحتلة، عدا عن هبة أهل الأرض ومنها هذه الصفعة التي لم تكن في وجه ذلك الجندي فحسب وإنما في وجه الصهيونية. ثم هذا التعرّي الذي تقوم به حكومة الاحتلال وكيانها عبر العالم أمام أنظار الشعوب، فقد سقطت الحواجز وصار الإعلام بوسائله الرقمية يفضح جرائم هذا الكيان المأزوم، حتى الفنانين والفرق الغنائية الموسيقية صارت تلغي حفلاتها في تل أبيب اشمئزازاً وتعبيراً عن رفض سياسات الاحتلال وممارساته، ولو لم يكن هذا الكيان مأزوماً لما قدّم فتاة في ربيعها السابع عشر للمحاكمة. ثم يأتيك جاهل أو مغرض ينادي بالتطبيع، واصفاً (إسرائيل) بالتقدم التقني والصناعي والعسكري وهذا صحيح لا ينكر، لكن هل هذه الإنجازات كافية للصفح عن تاريخ هذا المحتل منذ قيامه في فلسطين العربية وما يحدثه في المنطقة العربية وما سيحدثه؟ بمعاونة نظام الملالي وأذنابه في المنطقة، وتفرق الدول العربية وانشغالها بحروبها مقدمة أعظم خدمة كي ينعم الكيان المحتل بالسلام ويعربد نظام الملالي بأذنابه ومعاونيه في دول المنطقة، حفظ الله المملكة حامية للحرمين وذخراً للعرب والمسلمين، والله يرعاكم بعنايته.