علي الصراف
لا يستحق النظام الإيراني أن تحاربه، لأنه يحارب نفسه، وفي ذلك بلاءٌ كافٍ.. وفي الواقع، فإنه هو من يبحث عن أزمات وحروب لكي يعتاش عليها. ونظريتا «تصدير الثورة» و»الولي الفقيه» إنما وجدتا لتجعله في نزاع دائم مع نفسه ومع الخارج. وهذه قد تبدو مشكلة، إلا أن المشكلة الأهم هي أن هذا النظام سوف ينهار من دونهما.
والإيرانيون الذين يتظاهرون في مشهد ويزد وشاهرود وكاشمر وغيرها من مدن البلاد يعرفون جيداً ماذا جلب لهم هذا النظام. ويعرفون أيضاً لماذا يأخذ بأبنائهم ليحاربوا في العراق وسوريا واليمن. فمن دون حروب وأزمات، فإن هذا النظام سيكون مطلوباً منه (كأي نظام آخر في الدنيا) أن ينشغل بمتطلبات التنمية والبناء والتقدم، وأن يشعر الناس بأنهم حققوا مستوى أفضل من الرفاهية. وهذه مهمات غير قابلة «للتصدير»، كما أنها لا تخلق بيئة نواح ولطم وأحقاد، ولا تبرر وجود مليشيات. إن مهمات البناء والتنمية لا تتلاءم مع الطبيعة المؤسسة لهذا النظام. ولا تتوافق مع فكرته عن نفسه.
والأسئلة التي الذي سوف تتبادر إلى ذهن الولي السفيه هو أنه إذا كان مطلوبا منه أن يرعى مصالح شعبه، وأن يوفر لهم الرفاه والغنى، فكيف سيأتي «مهديه المنتظر»، ذلك الذي لا يأتي إلا على خراب وسفك دماء؟ وكيف سيتم «تصدير الثورة» ما لم يتم تصدير الفوضى والمليشيات؟ وهل يمكن «للثورة» أن تظل «ثورة» في داخل إيران نفسها، ما لم يمت الناس من أجلها كل يوم، ويجوعوا، ويعانوا الأمرين من البطالة والفقر؟ وكيف يكونوا «ثوريين» ما لم يشعروا بالظلم؟ وكيف يلطمون وينوحون ما لم يعيشوا كل أنماط القهر والانسحاق، فيكون مخرجهم الوحيد هو «انتظار المنتظر»، الذي يُعد «المرشد» نائبه ووكيل أعماله، ووظيفته الحصرية هي أن يمهد له بنشر الخراب.
هذه هي فلسفة السفه التي يقوم عليها نظام طهران. المسألة ليست مسألة «تصدير المشاكل الداخلية الى الخارج». إنها مسألة خلق الفشل في الداخل والخارج معاً. إيران لا تنتظر من العراق أو من سوريا، وفق هذه الفلسفة، أن يكونا مستعمرتين لخدمة مصالح الشعوب الإيرانية.
لو كان الأمر كذلك، لأصبحت إيران أكبر قوة اقتصادية في المنطقة. ولكنها أرسلت مليشيات وزرعت منظمات إرهاب من أجل أن تجعل الانحطاط والانهيارات وسفك الدماء المتواصل جزءاً من عالم الفوضى الذي يجعل من «الثورة» مشروعا لهدم كل شيء، لا مشروعاً لبناء أي شيء.
الإيرانيون يستطيعون اليوم أن يدركوا أن حصادهم المُرّ قد بلغ حداً لم يعد حتى لوحشية القمع أن توقف عواقبه. فالبطالة بلغت نحو 23 % حسب تقديرات الاقتصاديين، بينما السلطات تعترف بنصف هذا الرقم فقط. والفساد أصبح ظاهرة عامة، ومفروغ منها، ابتداء من أعلى مراتب السلطة إلى أدناها. وسلطة المليشيات تحولت إلى نظام استبداد حتى على نظام الظل الذي يحكمه رئيس منزوع القدرات. والتضخم بلغ معدلات صاروخية. والتجار لم يعدوا قادرين حتى على رشوة أهل السلطة من أجل تمرير مصالحهم. والفقر المتزايد يأتي بتفكك اجتماعي هائل تسود فيه تجارة الجنس والمخدرات، وهي تجارة يُشرف عليها رجال الولي السفيه مباشرة لما تدره عليهم من مال. وبرغم أن الإعدامات العشوائية ما تزال تبدو سلاحاً فعلاً لفرض الصمت والخنوع، إلا أن تظاهرات تلك المدن قالت بوضوح أن جدار الخوف يتصدع، وأنه سوف ينهار على رؤوس صانعيه، عندما ينفجر الفقراء والمحرومون ضد سلطة الفساد والإرهاب والفشل.
الدول الإيديولوجية لا يمكن القضاء عليها من الخارج. إنها تنهار من الداخل فقط. وهذا المسار يتسارع الآن، لأن ركام الإحباط ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة. ولم يعد بوسع الإصلاحات الجزئية أن تعالجه.
لقد فشل الرئيس روحاني في مهمته، ليس لأنه لم يرغب في الحد من مظاهر الفقر والبطالة والتضخم، بل لأن أدوات وإمكانيات الاقتصاد الإيراني بلغت حداً من الاهتراء إلى درجة أنك لا تسد ثقبا حتى ينشأ آخر أوسع منه. هذا النظام لا يستحق ثمن طلقة واحدة، إلا التي يُطلقها على رأسه. وقد خرجت بالفعل.