إبراهيم عبدالله العمار
انظر للمسلسلات الأمريكية الشهيرة، ماذا ترى؟
ماذا ترى في «فريندز»؟ 6 أصدقاء يعيشون معاً أو متقاربين، يمونون على بعض كما يقال بالعامية. «ساينفلد» المسلسل العبقري عن 4 أصدقاء دائماً يجتمعون في شقة جيري. «فريجر» ذاك الطبيب النفسي وشقته الراقية يعيش معه والده وخادمته وكثيراً يأتي أخوه نايلز ويتحادثان هناك وكذلك في كافيه نيرفوسا. «سيمبسونز» عن العائلة المترابطة وإن كان بينهم مشاكل لكن يعودون لبعضهم بحب في نهاية الحلقة.
أكثر المسلسلات شعبية تجدها دائماً هكذا: عوائل محبة، أصدقاء متقاربون، يَلِجون بيوت بعضهم بلا استئذان. لكن هذا شيء مستحيل في أمريكا التي يفتخر أهلها بالاستقلالية والانفرادية. إنهم اليوم أبعد الناس عن تلك الصورة، ولذلك تجد لهفتهم في متابعة مثل هذه المسلسلات: إنها تسد الفراغ. فراغ النفس، الوحدة، التعطش للعائلة والأصدقاء، أي علاقة حميمة مع إنسان آخر. الأمريكي اليوم صار أشبه بتوم هانكس في فلم كاست أوي، وحيد في جزيرة، يكلم كرة وكأنها إنسان ليحمي نفسه من عذاب الوحدة وعقله من الجنون (لاحظ عشقهم للكلاب بسبب ذلك).
الوحدة وباء هناك، حتى إن باحثين حذروا أن أضرارها أعظم على المجتمع من وباء السمنة المنتشرة لديهم. تأمل هذه الأرقام: 43 مليون أمريكي ممن هم فوق 45 سنة يعيشون في وحدة دائمة (الرقم يزيد لو شملت الدراسة أعماراً أكثر). ربع الشعب يعيشون وحدهم. أكثر من نصف الشعب غير متزوج، وتسوء نسب الزواج وعدد الأطفال باستمرار.
ما هي الوحدة؟ إنها الفجوة بين العلاقة الاجتماعية التي تريدها وبين الواقع، وهذا يعني أن الشخص يمكن أن يكون وحيداً ولو كان محاطاً بالناس. الشعور لا يرحم أحداً، وقد قالت أخصائية نفسية غربية تعاملت مع آلاف اليافعين أن بعض من احتاجوا المساعدة بسبب وحدتهم الشديدة كانوا في السادسة من العمر. أطفال ومراهقون تراودهم أفكار الانتحار، ويشعر بعدم قيمته لأنه وحيد كالمنبوذ. مجتمع الرأسمالية الغربي أثراهم لكن خنق أرواحهم، فصار المال لا قيمة له، مثل ما عند ذلك الرئيس التنفيذي صاحب الملايين والبذخ، فعلاقاته عملية (بزنس) ولا ينتمي لمجتمع يحتضنه، ولم تتسابق أصابع اللوم ضد هذا البائس عندما ألقى نفسه من تلك النافذة العالية في فندق 5 نجوم.