حمّاد السالمي
* كيف استقبل المواطنون الصرف الأول لـ(حساب المواطن الموحد) خلال الأيام الفارطة..؟
* تابعت ما رشح فظهر ونشر من ردود فعل عن هذا البرنامج في كثير من الوسائط المتاحة. لم أجد من هو راضٍ عما وصله من مبالغ من هذا الحساب. هذه الحالة تفتح على كثير من الأسئلة المطروحة أمام المسئولين عن حساب المواطن من مثل: ماذا يعني صرف مبالغ شهرية تبدأ من 150 أو 300 إلى 1250 ريالًَا أو أقل أو أكثر؛ لأسر هي من ذوي الدخل المحدود أو المتوسط..؟ هل هي تعويض عن زيادة كبيرة مرتقبة في فاتورة الكهرباء والماء والاتصالات..؟ أم هي للتعويض عن القيمة المضافة فوق الزيادات التي طرأت على هذه الخدمات؛ وراحت الشركات الثلاث تستعد لإضافتها فوق الفواتير المزادة فعلًا..؟
* سؤال آخر: هل هذه المبالغ المضافة لحساب المواطن؛ للتعويض عن رفع الدعم الحكومي الذي كان قبل العام الجديد للوقود، والرز، والسكر، والحليب، والدقيق، والدواء، وخلافه..؟ أم هي مقابل القيمة المضافة التي سوف يدفعها المستهلك فوق أثمان هذه السلع بعد رفع أسعارها..؟ وأخيرًا: هل الأقيام المقدرة للتعويض؛ تفي بسد العجز جراء هذه الإضافات الطارئة..؟
* أقول: إن الأيام القادمة سوف تكشف الكثير مما يكتنف هذه التجربة من غموض، وتكشف كذلك مدى المواءمة بين الفاقد جراء هذه الإجراءات الاقتصادية؛ وبين المتحصل كتعويض، وعلى الجهة المختصة بتطبيق هذه التجربة؛ الانصات للمواطنين المستهدفين من حساب المواطن، ذلك أن السوق الاستهلاكية بعد اليوم، لن تكون هي السوق التي كانت قبل اليوم. للرفاهية حدود تقف عندها.
* وفي مقابل (حساب المواطن)؛ الذي يمثل جزئية من إجراءات مهمة لترشيد الاستهلاك، هناك ما هو مهم أيضًا في هذا المسار، ألا وهو: (سلوك المواطن). أو لنقل: (ثقافة الاستهلاك). إن ترشيد الاستهلاك يتطلب بالضرورة تغيير السلوك الاستهلاكي في المجتمع، وحساب المواطن وحده الذي يستهدف شريحة واحدة في المجتمع، لن يحقق هدفه المنشود؛ إذا لم يصاحبه تصحيح وتغيير في السلوك الاستهلاكي لهذه الشريحة. بل تغيير السلوك الاستهلاكي لكافة شرائح المجتمع، ومن ثم نشوء ثقافة استهلاكية جديدة تواكب المتغيرات كافة.
* إن الصرف المبالغ فيه للأسر في معظمه غير مبرر. هناك عادات وسلوكيات يومية؛ نشأ عليها أكثر من جيل في مجتمعنا مكلفة للغاية. لقد جاء الوقت لمراجعتها من أجل تغييرها وتصحيح مسارها. كثرة الغرف في الدار الواحدة، وما يتطلب ذلك من تكييف وتأثيث وصيانة وإنارة، وتعدد السيارات والسائقين والخدم، والاستسلام لمغريات السوق، وشراء ما لا يلزم، والصرف الباذخ على التظاهر بالكرم والضيافات، والمبالغة في مظاهر الأفراح والأتراح، وتعدد السفرات والرحلات، واقتناء ما غلا ثمنه من غير حاجة له. هذه سلوكيات يجب أن تتوقف. بل وتنشأ تربية جديدة للجيل القادم، تبدأ من البيت ولا تنتهي بالمدرسة، تضع الطفل والشاب في مستوى الفهم لقيمة ما يملك وما يحيط به في داره وبين أسرته من ضروريات وكماليات، ودوره في التقيد بسلوكيات ترشيدية مساعدة على خفض الصرف على ما يأكل وما يلبس، وما يستهلك من كهرباء وماء وهاتف وخلافه.
* تعج شوارعنا وطرقاتنا بسيارات هائمة، الكثير منها يسير ليل نهار بلا هدف. ويتعجب المرء من مراهقين وصبيان يقودون هذه العربات باستهتار، فيؤذُون ويؤذَون، ويرتكبون المخالفات المرورية، ويتحمل آباؤهم وأمهاتهم مئات الآلاف جراء هذا الاستهتار الناتج عن كفر بنعمة الأمن والمال معًا. أعرف من سدد عن اثنين من أبنائه مخالفات مرورية أكثر من مئة ألف ريال للأول، وثمانين ألف ريال للثاني..!
* كيف نسهم في خلق ثقافة استهلاكية واعية تواكب الإجراءات الاقتصادية الجديدة ومنها: (حساب المواطن الموحد)..؟
* أعتقد أنه كان يجب على الجهة المعنية بتنفيذ هذا البرنامج؛ البدء بحملة إعلامية واسعة تشرح أهداف وأبعاد برنامجها هذا، بل وتطرح ملامح التغيير السلوكي في الاستهلاك الأسري، والتي ينبغي أن تواكب التطبيق حتى تتحقق الأهداف المخطط لها.
* إن الوفرة المالية التي تنعم بها بعض الأسر؛ لا تبرر ركون أبنائها إلى الدعة والاتكال، ليظلوا دون عمل أو تحمل مسئوليات أسرية واجتماعية ووطنية، بل هي من النعم التي توجب الشكر حتى تبقى ويُزاد فيها كما وعد بذلك رب العباد: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}، وليس من العدل أن يتظاهر الموسرون ببذخهم وغناهم، وأن يستهتر غيرهم بما هو متاح لهم من خير، فيسرفون في الصرف، ويسيئون التصرف، فالمثل الشعبي يقول: (مدّ رجلك على قدّ لحافك). وهذا وذاك؛ من المعاصي المنهي عنها. قال الشاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم