قاسم حول
فيلم «الأمواج المتلاطمة» للسينمائي التونسي «حبيب المستيري» مشاركة خاصة متميزة في مهرجان زاكورة السينمائي عبر الصحراء، لأن الفيلم لم يعرض بعد لا في تونس ولا في أية صالة سينما والسبب يعود إلى توقيت عرض الفيلم مع ذكرى استقلال تونس، إذ يتم الاحتفال بهذه المناسبة في تونس بأفلام وثائقية وبفيلم «الأمواج المتلاطمة» في كثير من صالات السينما. جسد شخصيات الأحداث الممثلون «أحمد الحفيان، وفاطمة ناصر، وعاطف بن حسين والهادي صيود والممثلة الإيطالية إيفانا بانتاليرو، مع الممثل محمد السياري».
يعرض الفيلم جانباً من تاريخ الحركة الوطنية من وجهة نظر شخص تونسي عمل في الجيش الفرنسي وهو يريد أن يقدم خدمات للحركة الوطنية التونسية بشتى الوسائل، لكنه يصطدم بواقع يرفض مبادرته من جميع الأطراف المتصارعة، فتتعقد حياته سيما بعد أن يكتشف أن قائمة من أسماء المقاومين كانوا يتلقون أموالا من الجيش الفرنسي. هذه الشخصية أداها بجدارة الممثل أحمد الحفيان. وهو يلعب دور البحار بعد أن لعب شخصية الجندي الفرنسي الذي يعيش في حلق الواد في القسم الأول من الفيلم. المخرج «حبيب المستيري» هو مخرج سينمائي وثائقي، وهذا الفيلم الروائي هو تجربته الروائية الأولى. ولذلك فإن عمله في مجال السينما التسجيلية قد انعكس على طبيعة فيلمه «الأمواج المتلاطمة» ليس فقط في استخدام الوثيقة الأرشيفية التاريخية وتضمينها لأحداث الفيلم لإثبات مصداقية تلك الأحداث، ولكن ذلك قد انعكس أيضاً في مصداقية أداء الممثلين وتلقائيتهم، فشاهدنا الفيلم كما لو أنه فيلماً وثائقياً جميلاً أضفت الروائية مصداقية فكرية وقيمة جمالية على المشاهد المؤادة، وفي جانب آخر بدا الفيلم في لغته التعبيرية تلك، فيلما يؤرخ لتونس ويؤرخ لاستقلالها بقناعة تاريخية تبقى وثيقة للأجيال القادمة.
المشاهدون والناس في ذكرى استقلال تونس في شهر مارس - آذار من العام 2018 سوف يشاهدون حقا فيلما يذكرهم بتاريخهم المجيد ونضالهم ليس على مستوى السلطة بل على مستوى المواطنين الذين ناضلوا من أجل تونس وإستقلالها. ولعل جمال المواقع وجمال الروح الشعبية وجمال الروح الوطنية قد انعكست بوضوح على الفيلم وتمكن المخرج «حبيب المستيري» من سبر أغوار الواقع، واقع الحياة وواقع الناس الشعبيين والضباط العسكريين وحياتهم الخاصة في كشف حقبة كاملة من ذلك التاريخ العريق لتونس. بعد مرور عقود من السنوات، وبعد التحولات الاجتماعية للشعب التونسي توجهت السينما الروائية التونسية نحو المشكلات الاجتماعية الحديثة للشعب التونسي والمشكلات الاقتصادية بالضرورة، وأصبح التاريخ الوطني واستقلال الدولة التونسية في حساب الماضي، ويكاد أن ينسى، وأن تنساه السينما التونسية، فيما لتلك الحقبة ولذلك التاريخ تفاصيل ينبغي قراءتها سينمائيا، وهذا ما حدا بالمبدع التونسي «حبيب المستيري» إلى كشف جانب هام من تلك الحقبة يتعلق بالشخصيات العسكرية التي تتعاون مع الاستعمار الفرنسي وتكرس العمل لصالح وجوده على الأرض التونسية. ولقد توجه المخرج المستيري إلى الوثيقة الأرشيفية وجعلها تتداخل مع المشاهد الروائية بشفافية وسلاسة فنية نجحت المونتيرة التونسية «كهينا عطية» في توليفها لصالح فكرة الفيلم ولصالح قيمته الفنية والجمالية. وفي حديث مثير للمخرج «حبيب المستيري» أوضح بأن الفيلم هو قراءة مختلفة عما قدم عن تاريخ الحركة الوطنية التونسية، وهذه القراءة قد تثير حفيظة أطراف معينة من مؤرخين وسياسيين. ففي فترة ما تم الاستحواذ على المقاومة من طرف سياسي بعينه - طرف الدساترة - وتم طمس كل النضالات الوطنية بشكل مقصود»
لقد عانى المخرج من مشاكل إنتاجية، حيث حاولت الأطراف الداعمة التخلي عن التزاماتها في دعم الفيلم، لكن المخرج وبدعم من أهالي مدينة الشابة وهي مسقط رأس المخرج، ساعده ذلك على استكمال تصوير الفيلم وسوى ذلك كان يمكن للفيلم أن لا يكتمل تصويراً» ثمة نتاجات سينمائية مرت في تاريخ السينما صورت الحروب التاريخية العالمية أو الإقليمية وأعتمد المخرجون مبدأ إعادة صياغة الواقع روائيا وتقف وراء تلك النتاجات شركات إنتاج عملاقة، فيلم «ذهب مع الريح» الذي يصور الحرب بين الشمال والجنوب في أمريكا مثالاً، ولكن ذلك النهج استند على أسلوبية فنية وقدرة إنتاجية تتمتع بها شركات الإنتاجات الكبيرة في هوليوود، من الصعب، بل من المتسحيل أن يحصل المخرج المستيري على تمويل بعشرات الملايين ليحول مدن السينما التونسية إلى واقع تاريخي وتوفير كومبارس ليصور فيلما ينتمي إلى الملحمية الروائية، ولكن جمال فيلم «الأمواج المتلاطمة» والذي أنتج بميزانية لا تتجاوز الثلثمائة ألف دولار تمكن من كشف الواقع التاريخي لتونس في حقبة الاستقلال وما بعده في روائية سينمائية ملحمية مزجت بشفافية عالية تلك الروائية باللقطات والمشاهد الوثائقية.. فحاز بطل الفيلم على جائزة أحسن ممثِّل في مهرجان زاكورة ومنح الفيلم شهادة التنويه في البيان الختامي للجنة التحكيم.