محمد عبد الرزاق القشعمي
لا يترك شيئًا إلا وذكره كتربية الكلاب والحمام وركوب الحمير وبداية ركوبه الدراجة (السيكل)، وعند ذكره لحارات الرياض نسي أن يذكر: الشرقية جنوب المقيبرة، وخنشليلة، والحساني وشلقى وحارة الأجناب، وغيرها.
زار مسقط رأسه عند بلوغه السادسة عشرة من عمره, واحتفى به أخواله وأقاربه ورعى مع خاله الغنم, واستعاد ما كان يحدثه والده عنها، والمكان الذي ولد فيه والقبر الذي دفنت فيه أمه.
حج بعد وفاة والده مع مجموعة من أبناء حارته فوصف مكة والمشاعر، وحدث أن ابنة جاره القادم من الكويت قد فقدت أو تاهت بالمسعى, فتفرقوا يبحثون عنها، فكان من نصيبه العثور عليها، وقال: «ومن العجيب أن الله تبارك وتعالى أراد أن تكون هذه الفتاة بعينها هي من يختارها الفتى زوجة له بعد نحو عشرة أشهر من انقضاء حجتهما».
ويستمر في سرد أهم المحطات والمواقف ومنها بداية العمل ناسخ آلة براتب (525)، وبقاؤه منتسبًا بالمعهد، فيعود منتظمًا بعد ذلك. ويواصل الدراسة حتى يتخرج من كلية اللغة العربية ليعين مدرسًا بجدة لينظم إلى أخويه اللذين سبقاه إليها أحدهما عسكري والآخر مقاول يعمل في تعبيد الطرق وأصبح شريكًا لهما، ويستمر بالتدريس حتى يفكر بمواصلة دراسته العليا بإحدى الجامعات العربية إذ لم يكن بالمملكة آنذاك دراسات عليا تمنح الماجستير والدكتوراه, فتوجه إلى الأزهر في القاهرة، حيث ينتهي الجزء الأول من هذه السيرة العطرة.
هو لا ينسى دور والده إذ كان يمثل دور الأب والأم في آن واحد، ولذا جلس بين المنزلتين ولهذا جعلها عنواناً لهذه السيرة.
كما لاحظ ازدراء وجحود بعض الرجال للنساء مما أوقد لديه جذوة الانتصار لهن, والوقوف بجانبهن. وعندما يرى التناقض في الإنسان يستهجن هذه التصرفات ويتمسك بصدقه وحياديته، فأخذ يبحث عن من يصدق مع نفسه ومع غيره فوجد ذلك في العجائز، نساء ورجالاً. فأطلق عليه إخوته (جليس العجائز) أو (أبو العجز).
ولابد من الإشارة إلى ظهور مادة (أدب الدعوة الإسلامية) أثناء دراسته بالكلية، مما أثر على تفكير الطلاب، وظلت رواسبها في أذهان كثير منهم، وقال: «وكأن الأدب مهموم بهذه القضية لا يبرحها حتى أصبحت دراسة الغزل تقدم على استحياء..». إلى أن قال: «..وهذا ضيق من مساحة الحوار، وأبرز مساحة التوجه الواحد، والحزب الواحد، ومن خرج عليهما أصبح منبوذًا. فانخرط جميع الطلبة في هذا التفكير حتى وإن لم يميلوا إليه..». وقال إن طلاب الكلية تتقاسمهم الآراء فانقسموا إلى قسمين كبيرين: قسم مع الخلافة الإسلامية المتمثلة في تركيا، وقسم يرغب للأمة أن تكون سيدة نفسها بزعامة عربية». ولذا ظل خارج اللعبة، بعيدًا عن التصنيف، مع أنه يطمح إلى القومية العربية، ويرجو لها أن تنبع من بلده والقومية عنده لا تعني الانسلاخ من الإسلام، وإنما هي في رواسخه تعني أن كل عربي مسلم، وقد كان أبوه حين يعاتبه على تأخره عن صلاة الفجر يزجره في قوله «أنت منت بعربي، على أن العروبة عنده تعني الإسلام».
أشكر الصديق أبو خالد على هذه السياحة الممتعة مع رجاء أن لا يتأخر الجزء الثاني كثيرًا.