أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
قرأت مؤلف الأستاذ خالد المالك الموسوم بـ «لا يا سمو الأمير، مائة مقال ومقال» وبعد وقوفي على مضمون الكتاب الذي يربو على خمسمائة صفحة لمست جهداً في كل صفحة ووطنية يعز عليها أن تُضام المملكة العربية السعودية، فالدفاع عن الوطن وقائد الوطن هو القاعدة التي بُني عليها الكتاب، ومؤلف الكتاب كاتب متمرٍّس عركته الصحافة بمفاجآتها وأوحت إليه الكتابة بامتداد النفس وطول الباع فغاب في آفاقها وغمرته بإيحاءاتها، فأطلق لقلمه العنان يجول في آفاق الريادة لا يحده أفق ولا يقف عند حاجز، فالكتاب كتابة فياضة، كلماتها أسِنَّة وعباراتها سيوف مصلتة على من قصد النيل من المملكة ومليكها، إن من قرأ المقالات في الجريدة لا يستغني عن اقتناء الكتاب فهو وثيقة عصره ودرة مِصْره، فهو وعاء معارف جمعت، سهل التناول قريب المأخذ، تمد يدك فتتناوله في أي وقت، فلا يبخل عليك بما فيه ولا يجهدك في البحث لأن مَادَّتَه مُيسَّرة بالجمع والعرض في صفحات متتابعة، فيعثر القارئ على ما يريد بدون عناء وضياع وقت، ما أجملها من صفحات، إذا صحبها القارئ غَوَّرَت به ساعة وأنجدت به أخرى فهو بين علو وهبوط لا يعلم زمن الرسو ولا ساعة التوقف لأن ربان السفينة ماهر يجنبها الزلل ثم تنطلق حيث أرادت القلم يقود صاحبه، والمادة ممتدة إلى أفق غير معلوم، ومن هنا تبرز مهارة القلم، فالعنان هو الموجه، يُرْخى تارة فينطلق الجواد «القلم» ويكبح تارة من أجل التروّي والاستبصار، فالمهارة تترجم القدرة على الكتابة في أي ظرف، فالمنتج الكتابي مهارة أداتها القلم ومضمونها عصارة الفكر، تسمو الخاطرة بصاحبها فيروِّضها إلى ما يريد ويضعها في مكانها اللائق بها، إن الكتابة فن فنحن نقرأ في الكتاب فن الكاتب خالد المالك الذي أنتج لنا هذه الصفحات الخمسمائة في زمن محدود مُخضعاً قلمه لتقلّبات الظروف، ما بين شرق وغرب وشمال وجنوب، خالد المالك ليس جديداً على الكتابة ولكن هذا المنتج أبرزه في وجه كل كاتب، فكثير من الكتَّاب اختط له خطة التزمها لا يحيد عنها ولو طلب منه الخروج عن نمطها لما استطاع ذلك، فالسنون التي أمضاها خالد المالك في الكتابة هي التي أكسبته الكتابة المروَّضة.
وإذا كان الكتاب يقرأ بعنوانه فإن «لا» التي برزت في أعلى العنوان تَسِمُ المملكة بالامتناع وعدم الانقياد إلى ما يريد الأعداء، فالمملكة عصيَّة على أعدائها قريبة من أصدقائها. وندلف من العنوان إلى الإهداء المتنافر فهو إلى الأمير محمد بن سلمان وإلى الشيخ تميم بن حمد آل خليفة، وبعد الإهداء تقديم بقلم وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد بن صالح العواد الذي قال فيه: «مثل هذا الكتاب يوثِّق لأحداث مؤسفة». أما مقدمة المؤلف فهي تتسم بالتواضع والتواضع سمة للعلماء عامة؛ فهو يقول: «وأنا لا أدّعي أنني شخّصت كل شيء عن الأزمة في هذا الكتاب ولكنني شاركت مع من شارك في جهد المقل»، مع أن المؤلّف شخَّص كل شيء عن الأزمة ويأتي المقال الأول حاملاً عنوان الكتاب أو أن عنوان الكتاب أخذ منه، فكلا الأمرين يصبان في هدف واحد، ومادة الكتاب واسعة ولكنني سأجتزئ بعض العنوانات وبعض العبارات، منها العنوان «قطر وما أدراك ما قطر!»، وتحت العنوان العبارة «لا أحد يخاف على قطر كما تخاف عليها المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي» و»افهموا يا هؤلاء موقفنا من قطر»، ومما ورد تحت هذا العنوان: «نفر من الناس في السعودية وقطر وغيرهما لم يستوعبوا بعد خطورة الموقف القطري في تعريض دولنا للخطر، لم يفهموا ما الذي يعنيه ارتماء قطر في أحضان الدولة الفارسية» و»كانت قطر» في أول هذا المقال عرض رائع لما كانت عليه قطر قبل التغيّر، و»البوابة القطرية» عرض فيها الكاتب سوءات قطر في تفصيل تام، و»قطر دولة متوحشة» قال الكاتب: «لا أعتقد أن أحداً منا كان يتصوّر ذات يوم أن دولة قطر سوف تكون مؤذية وإرهابية ومتوحشة كما هي اليوم». ونقرأ في آخر الكتاب: «المقال ما بعد المائة» فكأن الكاتب أناب هذا المقال عن الخاتمة التي افتقدناها، فهو خاتمة الكتاب كما يوحي مضمونه.