د.عبدالله الغذامي
تطربنا نرجسية الشعراء ونتغنى بها إما حفظا لأبياتهم أو ترويجا لمقولاتهم ، مثل كلمة لبورخيس يقول فيها (لا يحتاج الشاعر شيئا في الحياة، هو فقط يحتاج كل شيء) وقد غرد بها المغرد تركي صالح ،وعلق عليها: ياله من ملهم. وحين رأيت تعليق تركي دفعتني هوسة الناقد فقلت له: (هنا تلحظ مفهوم الشعرنة حين يلوث الشعر رأس الشاعر ويحشوه نرجسية عمياء وينسى أنه كان يغني للجمال..!!!! أقول كان ..) ومصطلح الشعرنة هو أحد المصطلحات التي بنيت عليها مفهومي للنسقية المضمرة حيث تغلف القبحيات بغلاف الجماليات وتخدعنا حينها بتشرب القبحيات بسبب اندماجنا مع ما هو جمالي ويحدث هذا بأقوى ما يحدث في الشعر حيث منحت الثقافة الشعراء حصانة خاصة تبيح لهم القول دون محاسبة ، فهم أمراء الكلام ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم حسب ما يروى عن الخليل بن أحمد ، وحدث أن تماهت الثقافة مع نصوص نرجسية مغالية في توحشها النرجسي من مثل قول نزار قباني
(جربت أنواع العبادة كلها
فوجدت أحسنها عبادة ذاتي)
ولن يخلو الأمر من أننا نحن نتلبس أقنعتنا الخاصة حين نردد الأشعار معجبين بها وراوين لها وكذا نردد مقولات عن أمراء الكلام من مثل مقولة بورخيس هذه، وكأنها تعبر عن شيء مخبوء في نفوسنا وتداوينا بعلاج تعظيم الذات وكأننا نقول القول نفسه، مع وضع وقاء نتقي به اللوم بحجة أن الذي يقوله شاعر يجوز له ما لا يجوز لغيره ،وهذه كلها تصورات سمحت بتمرير القبحيات الثقافية وظهر معها الفحل الشعري ، أمير الكلمات ، ليكون هذا مطبخا ثقافيا ينتقل من بيت الشعر إلى بيت السلطة وبيت الأبوية وتبني هرم السلطوية حتى لتصل إلى أعلى درجاتها مع الدكتاتور الذي يرى ما لا يراه الشعب، كمثل شخصية سي السيد، ومقولة (الشيوخ أبخص) وأكبر منك بيوم أعلم منك بسنة ، وهي كلها صيغ تبدأ جمالية وشعرية وتنتهي بأن تعزز قيم الآحادية والتفرد والتعالي على كل ما عداها ومن عداها، ويجوز للذات ما لايجوز لغيرها ،وهذا ما سميته بالشعرنة، أي انتقال المنظومة الفحولية بكل صيغها من الذهنية الشعرية إلى الذهنية السياسية والاجتماعية ،وبدلا من كونها مجازا جماليا تصبح نظام حكم ونظام حياة.
للتوسع كتابي النقد الثقافي.