الثقافية - حكيمة فرحان الرويلي:
ويبقى الأثر والتأثير علامة فارقة شارقة شاهقة. فكيف وهذا الأثر مر بالجوف بلد الحضارات والنقوش, وأول المستوطنات البشرية في الجزيرة العربية كما أثبتت الدراسات وأكدها الباحثون والمتخصصون؟ الجوف مسرح فجر التاريخ الأول, منازل القلاع والحصون منذ الأزل, اليوم نتتبع الأثر ونقتفيه، نسير ونشير مر من هنا.. الأمير عبدالرحمن السديري؛ علّنا نجد من هذا الأفق والمدى البعيد الذي خلفه وراءه ما يشفع للوفاء أن ندثره بعطره عبقًا للأجيال، وإلا فسيرته ومسيرته ليست بحاجة لوسم ورسم؛ التاريخ خلدها بين سير الرجال الذين تركوا أثرًا حضاريًا وثقافيًا، استفاد منه أبناء هذه المنطقة من خلال منارتها المضيئة «دار الجوف للعلوم». وهذه المؤسسة الثقافية الرائدة كانت - ولا تزال - هي النواة والمحضن الأول للأدباء وللمثقفين والباحثين والقراء. ضيف حوار «الثقافية» سليل ذلك الجبل الأشم النادر، رجل هو أيضًا معني بالثقافة وراعٍ لحصونها ومرابعها. رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري الأمير فيصل ين عبدالرحمن السديري. لن نتحدث هنا لكونه امتدادًا لتلك السلسلة الذهبية من عقود الأدب والثقافة وجواهرها لكننا سنكون مع قراء الثقافية في رحلة خاصة من خلاله بين مآثر هذه السلسلة الممتدة.. التي نتمثلها في قول أحمد شوقي:
وكن رجلًا إن أتوا بعده
يقولون: مرّ وهذا الأثرْ
البذار الأزلي لمؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري - يرحمه الله - التي تم تأسيسها بأمر ملكي عام 1403هـ يعود لما قبل ذلك التاريخ بعشرين عامًا «إنشاء المكتبة العامة». هذا المكان التنويري للرعيل الأول من الجوفيين الذي استمر إلى يومنا الحالي على وتيرة الوعي الحضاري.
* حول ذلك البذار عودًا ومنتقلًا سعادة رئيس مجلس الإدارة أعد بنا الذاكرة؟
- منذ أن وصل الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري - يرحمه الله - إلى الجوف بعد تعيينه أميرًا لها من قبل الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - أخذ ينظر فيما من شأنه أن يخدم مجتمع منطقة الجوف، سواء فيما يتعلق بالعمل الرسمي في الإمارة وشؤون الحكم، أو ما يتعلق بتفعيل وإطلاق الأنشطة الثقافية والاجتماعية؛ فقد بادر إلى إنشاء مكتبة عامة، كان اسمها في البداية (مكتبة الثقافة العامة)، أنشأها المؤسس في سكاكا سنة 1385هـ/ 1965م سعياً منه إلى الإسهام بمجهوده الخاص في دعم الثقافة في منطقة الجوف؛ فالمؤسس من الرجال الذين أدركوا في وقت مبكر أهمية التعليم، وعملوا على المستويين الرسمي والخاص على نشر الوعي والمعرفة ودعمهم. وقد كانت مبادرة المؤسس بإنشاء تلك المكتبة العامة، رغم محدودية الإمكانات آنذاك، عنواناً لطموحاته، ومرآة لأولوياته واهتماماته.
واستمر الأمير عبدالرحمن السديري في تطوير نواة المكتبة العامة؛ فكان يحرص على توفير كل ما تحتاج إليه من دعم ومستلزمات، ويطلب إحضار الكتب والمراجع والمجلات والصحف التي كان وصولها إلى الجوف في ذلك الوقت نادرًا، ولا يتم إلا من خلال الطلب المباشر.
ثم توسعت خدمات مكتبة الثقافة العامة وصار اسمها (دار العلوم)، وصارت تقوم بأنشطة ثقافية متنوعة لخدمة أبناء وبنات المنطقة؛ فأنشأ المؤسس - رحمه الله - مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية؛ لتتولى إدارة دار العلوم بالجوف وغيرها من النشاطات. وكانت جهود الأمير عبدالرحمن في تطوير المكتبة تسير جنباً إلى جنب مع مبادراته الرسمية لنشر التعليم في منطقة الجوف للذكور والإناث، فآتت أُكلها بفضل الله، وتطور التعليم، وارتفعت وتيرة الحياة الثقافية في الجوف، وصار فيها رواد كثيرون، لهم بصمات في مختلف المجالات التعليمية والثقافية والاجتماعية. وقد تطورت دار العلوم، وارتأى مجلس الإدارة إطلاق مركز عبدالرحمن السديري الثقافي لإدارة المكتبة، والقيام بالأنشطة الثقافية المتنوعة التي تحقق الهدف الذي أُنشئت المكتبة من أجله، وتعزز رؤية ورسالة المؤسس في المجتمع، التي تنطوي على تقديم ورعاية البرامج الثقافية والمعرفية، وتفعيل المشاركة المجتمعية مع أنشطة المركز من قِبل أبناء وبنات المجتمع على حد سواء.
أول مكتبة عامة في المملكة لنساء الجوف
لقد كان المؤسس صاحب ريادة في كثير من أعماله ومبادراته؛ فكانت المكتبة العامة التي أنشأها سنة 1385هـ/ 1965م مفهوماً جديداً في الوقت والمكان الذي نشأت فيه، كما أن المكتبة العامة للنساء التي أقامها هي أول مكتبة عامة للنساء على مستوى المملكة. وقد أُنشئ مبنى دار العلوم بإعانة مالية، قدمتها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله -. وصارت المكتبتان تمثلان اللبنة الأساس لدار العلوم في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي الذي عمل على رفد هذه الدار بما يلزمها من المهنيين في علوم المكتبات والمعلومات, وتزويدها بمجموعات الكتب التي وصلت عام 2015م إلى أكثر من (17000) مائة وسبعين ألف كتاب.
تتكون المجموعة العامة في دار العلوم من المراجع والكتب العربية والأجنبية ذات الصلة بالعلوم والمعارف العامة. أما المجموعة الخاصة فإن موضوعها الأساس هو منطقة الجوف، وهي تتشكل من المطبوعات والمواد ذات القيمة المرتبطة بتاريخ المنطقة وتراثه. تحوي هذه المجموعة صوراً لمخطوطات يصل عددها إلى أكثر من خمس وستين مخطوطة، ووثائق، ونقوداً، وطوابع، وكتباً قيمة. وفي قسم الدوريات تشترك دار العلوم بمجموعة من الصحف والمجلات والدوريات الأخرى، يصل عددها إلى أكثر من مائتين وخمسين دورية. أما مجموعة الدار المسموعة والمرئية فتتألف من الأفلام وأشرطة الفيديو والأقراص الممغنطة التي توثق الأنشطة الثقافية كافة التي تنظمها الدار. وتقوم الدار بتسجيل وقائع الندوات والمحاضرات ونقلها للقسم النسائي، كما تتيح الدار خدمات الإنترنت اللاسلكية لجميع الرواد في القسمين إلى جانب المحطات الثابتة المتوافرة، وهي تتيح لرواد المكتبة الدخول إلى فهارس المكتبة العربية والأجنبية، إلى جانب موقع المركز على الإنترنت www.alsudairy.org.sa.
«دار العلوم» مركز ثقافي حفظ تراث الجوف
دار العلوم ليست مجرد مكتبة عامة، بل هي الآن - وبتوفيق من الله - مركز ثقافي حيٌّ، يشهد مع خدماته المكتبية نشاطاً اجتماعياً وثقافياً متجدداً في كلا القسمين: قسم الرجال وقسم النساء. ويشمل هذا النشاط الندوات والمحاضرات والأمسيات الثقافية التي تقيمها الدار ضمن موسمها الثقافي على مدار العام. كما يشمل ورش العمل التدريبية والدورات التعليمية التي تعقد فيها. إن اهتمام مركز عبدالرحمن السديري الثقافي بحفظ التراث الأدبي والأثري في منطقة خدماته، والجوف هي مقر المركز الرئيسي الذي احتضن النواة الأولى لمكتبة دار العلوم، يتركز في دعم الباحثين في مجال التأليف عن تراث وآثار منطقة الجوف بشكل خاص؛ لما تمثله الجوف من أهمية تاريخية وآثارية وتراثية في المملكة بمخزونها الكبير من الحضارة الإنسانية على مر العصور حتى الآن؛ فقد احتضنت الكثير من الممالك العربية في التاريخ القديم. وكذلك كان لدومة الجندل في بداية الإسلام أحداث تاريخية. كما أن هناك آثار تدل على حضارة قديمة غنية في الجوف، منها - على سبيل المثال - منطقة الشويحطية التي شهدت أقدم آثار استيطان وإقامة للإنسان منذ فترات العصر الحجري القديم، وهو يعد أقدم موقع يكتشف في أراضي المملكة العربية السعودية، ويعود تاريخه لحوالي مليون وربع المليون سنة.
فالجوف مخزن ثري بالتاريخ والآثار والتراث الحضاري لإنسان الجزيرة العربية الذي سكن المنطقة من أقدم العصور، وترك فيها آثارًا تم الكشف عن بعضها، لكن لا يزال هناك الكثير من المواقع التي تنتظر الكشف والتنقيب عنها وإبرازها.
* كان للمؤسسة السبق في برنامج ابتعاث للخارج دعمًا وتشجيعًا للنابهين والمتفوقين من أبناء الجوف، ثم ارتأت المؤسسة تحويل هذا البرنامج لمنابع حضارية أخرى، تخدم أبناء وبنات الجوف بعد صدور برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث. ماذا تم خلال تلك المرحلة؟ وما هي الرؤية للأعوام القادمة؟
- الابتعاث هو واحد من البرامج التي نفّذتها إدارة المركز باسم (جائزة الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للتفوق العلمي)؛ إذ كان يجري اختيار طالب وطالبة من المتفوقين من أبناء الجوف والغاط للدراسة الجامعية في إحدى الجامعات الأمريكية أو الأوروبية أو الاسترالية. وهدف البرنامج تحفيز الطلبة على طلب العلم والتحصيل من أفضل الجامعات العالمية المتاحة في التخصصات العصرية المطلوبة، والإسهام في خدمة أبناء منطقة الجوف ومحافظة الغاط حيث منطقة خدمات مركز عبدالرحمن السديري الثقافي. وقد بلغ عدد الطلاب الفائزين بالجائزة حتى عام 1431هـ /2010م (22) طالبًا وطالبة من الجوف والغاط. وبناء على اقتراح أعضاء الجمعية العامة بتحويل الطلاب المبتعثين ضمن الجائزة إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي جرت متابعة ضم الطلاب المبتعثين بالجائزة إلى ذلك البرنامج. وقد تخرج أغلب المبتعثين، وأكمل بعضهم الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه). ويعمل الخريجون اليوم في الجامعات والمؤسسات الرسمية والأهلية ذات العلاقة بتخصصهم.
أقامت المؤسسة منتدى الإدارة المحلية والتنمية في مركز الملك فهد الثقافي بمدينة الرياض، وتلاه حفل تكريم لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - حين كان أميرًا للرياض كشخصية المنتدى في دورته الخامسة تقديرًا لدوره في مجال الإدارة المحلية والتنمية.
* ما هي الرسائل الوطنية التي تلتزم بها المؤسسة أمام هؤلاء الرموز الوطنية والبرامج التنموية؟
- إن منتدى الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية هو من أبرز فعاليات مركز عبدالرحمن السديري الثقافي، ويقام سنوياً بالتناوب بين الجوف والغاط. أُقيمت دورته الأولى في الغاط في العام 2007م. يتناول المنتدى موضوعات ذات أهمية على مستوى الوطن: ثقافية، واجتماعية، وسياسية، واقتصادية. وله هيئة خاصة تشرف عليه. كما تتضمن فعاليات المنتدى تكريم شخصية؛ لها إسهام واضح في موضوعه، تختارها هيئة المنتدى وفق لائحة خاصة، ويقام على هامشه معرض لإصدارات المركز. وتحرص الهيئة المشرفة على المنتدى على أن تختار في كل عام موضوعًا جديدًا، له أهمية في العام الذي يعقد فيه المنتدى، ويتم الاختيار بعناية، ويدعى للمشاركة فيه متخصصون وباحثون من داخل المملكة، وأحيانًا من خارجها، ومَن سبق له العـمل في مجـال موضوع المنتدى، وله رؤيـة واضحة فيه، ومَن لديه دراسات وأبحاث حوله.
بين الجوف والغاط منتديات بحجم وطن
ومن الموضوعات التي عرضها المنتدى عبر دوراته السابقة: في الدورة الأولى الهيئات الخيرية السعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر: الآثار وسبل تجاوزها (1428هـ/ 2007م). وفي الدورة الثانية الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على الاقتصاد السعودي, وفي الدورة الثالثة النظام القضائي السعودي، وفي الدورة الرابعة النظام الصحي في المملكة العربية السعودية, وفي الدورة الخامسة الإدارة المحلية والتنمية, وفي الدورة السادسة آثار المملكة: إنقاذ ما يمكن إنقاذه, وفي الدورة السابعة الإعلام اليوم: عالم بلا حواجز, وفي الدورة الثامنة مدينة وعد الشمال.. والمسؤولية الاجتماعية, وفي الدورة التاسعة الإسكان.. الواقع والآفاق, وفي الدورة العاشرة الماء في المملكة.. الواقع والحلول. ومؤخرًا وفي الدورة الحادية عشرة الوضع الاقتصادي في المملكة (1439هـ/ 2017م).
يشرف على النشاطات الثقافية في المؤسسة مجلس مكون من عدد من أدباء ومثقفي الجوف والغاط. وباعتبارهم هيئة تطوعية، تضم نخبة من المثقفين، يتطوعون للإسهام في إثراء الحركة الثقافية من خلال اقتراح البرامج والنشاطات الثقافية وتنظيم الدورات والمحاضرات الثقافية التي تهم مختلف القطاعات، زادت على 600 نشاط بالقسمين الرجالي والنسائي. وأسهمت هذه النشاطات في إتاحة المجال أمام الأهالي للقاء بكبار المسؤولين والمفكرين من جميع أنحاء المملكة والدول العربية.
* ما مدى تأثير وتأثر هذه البرامج على المجتمع والإنسان في الجوف والغاط؟
- تم تشكيل المجالس الثقافية في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي، وهي هيئات تطوعية، تضم نخبة من المثقفين من أبناء منطقة الجوف المتطوعين بجهدهم ووقتهم للإسهام في إثراء الحركة الثقافية في الجوف؛ وذلك بهدف العمل على اقتراح البرامج والمناشط الثقافية في الموضوعات التي تهم المنطقة. ويعقد المجلس اجتماعاته دوريًا. ويوجد في المركز أربعة مجالس ثقافية: الأول في دار العلوم بالجوف، والثاني في دار الرحمانية بالغاط. وهناك مجلسان ثقافيان للقسم النسائي في كل من دار العلوم بالجوف ودار الرحمانية بالغاط. وكلها لها المهام نفسها. وتشرف هذه المجالس - كل حسب اختصاصه - على الأنشطة الثقافية في المركز أو القسم الذي تتبع له. والمجلسان الثقافيان في القسمين النسائيين بالجوف والغاط يتشكلان من عدد من المتطوعات المهتمات بالشأن الثقافي في الجوف والغاط. وتحرص إدارة المركز على أن يتولى كل مجلس اقتراح المحاضرين وعناوين المحاضرات والبرامج الثقافية من المتخصصين والخبراء في الموضوعات المقترحة، ويتم دعوة المثقفين والمهتمين وأبناء المجتمع المحلي لحضور تلك الفعاليات والأنشطة، والتفاعل معها بما يخدم الثقافية والمعرفة، ويفتح مجالاً لأبناء المجتمع من التحاور مع المحاضرين والخبراء في الموضوعات المطروحة. وتشهد هذه المحاضرات إقبالاً جيدًا من المهتمين وأبناء المجتمع المحلي وطلبة الجامعات والكليات الموجودة في كل من الجوف والغاط.
من أهداف ورسالة المؤسسة جعلها مركزاً للبحث العلمي والأدبي، تتوافر فيه وسائل الدراسة والأبحاث العصرية، والعمل على حفظ التراث الأدبي والأثري في الجوف؛ فأُنشئ متحف ودعم النهضة العلمية والعمل رفعًا لمستوى الفرد ثقافيًّا وصحيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، كما أُنشئت دار للحضانة وروضة للأطفال وجامع في مقر المؤسسة، والعمل على إحياء (أسبوع الجوف) في تلك الأحايين.
* ما هو الشيء الآخر الذي تمنيت أن يكون في ظل سطوع العصر الحديث والنهضة المتسارعة التي يعيشها الجيل الحالي؟
- إن إدارة مركز عبدالرحمن السديري الثقافي تحرص على مواكبة التقنيات الحديثة في مجال المكتبات العامة ومراكز البحوث العلمية والمراكز الثقافية. وحاليًا تدرس إدارة المركز بتوجيه مستمر من مجلس إدارة المركز إدخال خدمة المكتبة الرقمية؛ لتكون متاحة للباحثين من أبنائنا طلبة الجامعات والكليات والمدارس وكذلك للقراء والمثقفين من رواد مكتبات المركز في كل من الجوف والغاط. وقد تم التواصل مع خبراء وجهات عالمية ووطنية تعمل في هذا المجال، ويجري التحضير لورشة عمل موسعة ستقام في الجوف أو في الغاط لتدارس إدخال خدمة المكتبة الرقمية. وسيكون ذلك إلى جانب الاستمرار في تقديم الخدمات المكتبية المعتادة لزوار المكتبة بشأن الكتب الورقية الموجودة حالياً. وبالطبع، فعند توفير الكتب الرقمية ليس هناك حاجة لتأمين الكتاب الرقمي الجديد بشكل ورقي؛ لأن الهدف هو توفير المراجع والكتب الجديدة المتاحة أمام الباحثين والقراء بأي صيغة متوافرة لدى دور النشر والتوزيع المحلية أو العالمية، أو من خلال قواعد البيانات المكتبية المتاحة محلياً أو عالمياً.
* في مجال النشر كان للمؤسسة تأثير على الساحة الثقافية؛ فنشرت بعض الكتب والدراسات عن المنطقة، وفي مقدمتها الكتاب المرجعي الهام «الجوف - وادي النفاخ» للأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري. كما استمرت المؤسسة في إصدار المطبوعات والإبداعات التي تتولى دفع تكاليف طباعتها وتوزيعها كافة، فضلاً عن مكافأة مالية مناسبة لصاحب العمل. بعد كل هذا الدعم ما هو تقييمكم لما قُدم من إصدارات؟
- تماشياً مع الأهداف التي وضعها المؤسس اعتمد مركز عبدالرحمن السديري الثقافي برنامجاً للنشر ودعم الأبحاث المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط، وأسندت مهمة الإشراف على هذا البرنامج لهيئة أكاديمية متخصصة من أبناء الجوف والغاط. يهدف برنامج النشر ودعم الأبحاث إلى خدمة البحث العلمي ونشر الإبداعات لأبناء وبنات الجوف والغاط، إضافة إلى الاهتمام بالإصدارات المتعلقة بموضوعات تتعلق بالجوف والغاط، وكذلك موضوعات لها اهتمام واضح على الصعيد الوطني حتى نهاية العام 1438هـ 2017.
برامج النشر ودعم الأبحاث العلمية
صدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي نحو 183 إصداراً، منها: 90 كتابًا في مختلف المجالات العلمية والأدبية، و39 عددًا من دوريتي «أدوماتو» و»الجوبة». وموَّلت المؤسسة عدداً من الأبحاث العلمية الميدانية، بلغت نحو 12 بحثاً، أشرف عليها باحثون وأكاديميون سعوديون. برنامج النشر في المركز برنامج محكّم، يخضع جميع الأعمال المقدمة للنشر إلى التحكيم العلمي الرصين للتأكد من أصالة مضامين الكتب، وتوافقها مع المنهجية العلمية في التأليف والتوثيق وحداثة المعلومات، وما إلى ذلك من محددات تضبط جودة الكتاب المقرر إصداره عن المركز. وهناك بطبيعة الحال أعمال يتم الاعتذار عن عدم نشرها لوجود ضعف فيها أو عدم ملاءمتها لقواعد النشر وضوابطه المعتمدة في اللائحة الخاصة بالنشر. وتحظى كتب المركز بإقبال الباحثين والمهتمين، ويلحظ ذلك خلال معارض الكتب التي يشارك المركز فيها، سواء في معرض الرياض الدولي للكتاب أو في معرض جدة أو في معارض الكتب الجامعية في مختلف الجامعات السعودية. كما يحرص المركز على إهداء نسخ من جميع إصداراته للمكتبات الجامعية في المملكة العربية السعودية والمكتبات العامة، مثل مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ومكتبة الملك فهد الوطنية، وغيرهما؛ وذلك بهدف توفير هذه الإصدارات للباحثين والمهتمين والقراء، من طلبة الجامعات ورواد المكتبات العامة.
* في عام 1420هـ أصدرت المؤسسة مجلة تعنى بالآثار باسم «أدوماتو»، تعنى بآثار الوطن العربي، ورأس تحريرها عالم الآثار السعودي الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري. استطاعت هذه المجلة تحقيق شهرة واسعة في مجال الآثار داخل المملكة وخارجها.. هل لكم أن تحدثونا عن هذه المجلة؟
- لقد جاء إصدار مجلة أدوماتو من قِبل مركز عبدالرحمن السديري الثقافي لقناعة المركز بتوفير مجلة علمية، تحمل دلالات تاريخية على حضارة منطقة الجوف، وكونها لعبت أدواراً تاريخية كصلة بين الحضارات القديمة في الجزيرة العربية وفي الشرق الأدنى على مر العصور، وكانت ممراً لقوافل التجارة العابرة بين الدول والممالك القديمة المجاورة، وشكلت مركز إشعاع حضاري مهم.
(أدوماتو) حاليًا دومة الجندل
وارتأى المركز أن تحمل اسم (أدوماتو) لدلالة الاسم التاريخية المنبثق من اسم دومة الجندل؛ لأن المسمى عاصر أحداثًا مهمة، دارت أحداثها في شمالي الجزيرة العربية، وتحول الاسم لاحقًا إلى ما يعرف في التاريخ الإسلامي باسم دومة الجندل؛ وذلك لتكون المجلة ممثلة لآثار العالم العربي كله، وليس مقتصرا على آثار المملكة أو الجزيرة العربية وحدها. «أدوماتو» مجلة نصف سنوية، محكّمة، تُعنى بالأبحاث الخاصة بآثار الوطن العربي. وتشرف على إصدار المجلة هيئة تحرير أكاديمية من أساتذة الآثار في الجامعات بالمملكة. وللمجلة هيئة استشارية مكوّنة من مجموعة من خيرة الأساتذة المتخصصين في الآثار والتاريخ والعلوم الاجتماعية على مستوى العالم. وقد صدر منها حتى العام 2017م (36) عددًا، وهي متألقة ومستمرة بحول الله.
* اهتمت المؤسسة بالمرأة، وأتاحت لها الفرصة لممارسة الأنشطة الثقافية من خلال الدورات والمحاضرات، كذلك من خلال استضافة الأسماء الثقافية النسائية البارزة من داخل المنطقة وخارجها. وحاليًا امتاز القسم النسائي بالجوف بحراك نوعي، أسهم في كسر الجمود الثقافي لدى بعض المنصات الأدبية الأخرى التي من المفترض أن تكون شريكًا مع المؤسسة في خلق حراك نسوي بالمنطقة.. إلى ماذا تعزو جمود الحراك النسوي بشكل خاص في الجوف؟ وما هي رؤية القسم النسائي مستقبلًا؟
- منذ أن أطلق الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري - يرحمه الله - مبادرته بتأسيس المكتبة العامة التي هي نواة مركز عبدالرحمن السديري الثقافي كان يتيح للمرأة أن تأخذ دورها في الأنشطة الثقافية الموجهة للقطاع النسائي، سواء في الجوف أو في الغاط؛ وذلك لأن المرأة هي الأعرف بشؤونها وما يتعلق بها من اهتمامات ثقافية واجتماعية ومعرفية.
المؤسسة عنيت بالمرأة وقدمت لها الدعم
لذلك كان في المركز منذ البداية فرع خاص بالقسم النسائي، حرصنا على دعمه بشكل كامل، وتم توفير ما يلزمه من كوادر إدارية نسائية قديرة، ومن تجهيزات ولوازم ومخصصات مالية؛ ليكون قادرًا على أداء دوره الثقافي والتنويري بين القطاع النسائي ضمن الرؤية التي آمن بها المؤسس - يرحمه الله - وركز على دعمها، وهي أن المرأة دائمًا شريكة الرجل في بناء الأجيال وتربيتهم وتأهيلهم؛ ليكونوا قادرين على العطاء والإسهام في بناء الوطن وخدمة أبناء مجتمعهم بالعلم والثقافة والعمل الجاد المثمر في مختلف قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل عام. ومن الطبيعي أن تمر فترات يكون فيها بعض الجمود في الحراك النسوي، لكنه ليس عامًّا؛ وربما يعود ذلك إلى ضعف في فهم دور المرأة والفتاة في المجتمع لدى بعض الناس، وليس لدى الجميع؛ لأن هناك نساء وفتيات لديهن أعمال وإنجازات في مختلف أوجه الحياة العلمية والثقافية والاقتصادية، وحققن نجاحات يشار إليها بالبنان، ولم يأت ذلك بشكل عفوي، بل نتيجة تأهيل وتنوير وتعليم على المستوى المأمول الذي يؤدي إلى نجاح كهذا.
* ما هي النشاطات الأخرى للمؤسسة عدا إشرافها على دار العلوم بالجوف؟ وكيف هو تفاعل المواطنين المرتادون لتلك المرافق؟
- في الجوف أقامت المؤسسة فندقاً خمس نجوم مكوناً من 54 جناحاً وغرفة، ويعد من استثمارات المؤسسة، وإن كان معروفاً إنه ليس بقرار استثماري جيد؛ إذ إن هناك فرصاً أكثر عائداً مالياً، إلا أنه أوجد مرفقاً خدمياً كانت الجوف بحاجه إليه. كما أسست مدارس وروضتي أطفال، واحدة للأبناء، وأخرى للبنات. وقد تميزت بإنتاج علمي جيد، أكسبها جوائز تقديرية. أيضاً المسجد الجامع الذي يسع 3000 مصلٍّ و600 مصلية يقع تحت إشرافها. في الغاط يدير مركز الرحمانية مكتبة الأمير عبدالرحمن السديري ومكتبة منيرة محمد العبدالله الملحم.. وكل واحد من هذين له وقف مستقل. وطبيعي أن المؤسسة تدير استثماراتها تلك. أما التفاعل فهو جيد، وهذا - بلا شك - يثلج صدورنا؛ لأن فوائد وجود مرفق خيري كهذا مردوده سيعود على المواطن.
* ختامًا، المساحة حرة لكم رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن السديري، ونطرح القلم بين أياديكم المعطاءة؛ لتضعوا كلمتكم الأخيرة وفق ما ترتؤون في نهاية هذا الحوار..
رحم الله الأمير عبدالرحمن السديري وأموات المسلمين، وجزاه الله كل خير. والشكر والتقدير للقائمين على إدارة المؤسسة من متبرعين أو موظفين ورواد. كما أشكر جريدة الجزيرة على اهتمامها. والله نسأله أن يديم علينا نعمة الإسلام، وأن يعين ولاة الأمر، وأن يوفقهم لما يحبه ويرضاه.