سألتني ابنتي: لماذا تلجأ النساء للخرافات أكثر مما يفعل الرجال؟
السؤال ليس جديداً بالنسبة لي، فقد فكرت به مراراً، وجوابه في ذهني كأنه موجود منذ الطفولة! ولكن الجديد هو أن أوصل ما في ذهني لسائل يسأل، وخاصة أن السائل ابنتي! وهي ليست صغيرة بل طالبة جامعية، ولم تكتف بالسؤال إنما طلبت مني أن أكتب الجواب بعد أن قرأت أحد مقالاتي بالصدفة.
كنت أعتقد أن الصلة بين جيلي والأجيال الناشئة معدومة تماماً، وأنا لم أطلب من أولادي قط قراءة مقالاتي أو التعليق عليها، ولذلك بقدر ما فرحت لسؤالها وطلبها، ساورني خوف شديد من الفشل، وانهالت في وجداني جملة من الأسئلة كانت مؤجلة إلى إشعار آخر، أو ربما إلى .. لا إشعار... هل أنا أكتب لجيلي فقط؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل كتاباتي ذات جدوى حتى لو كانت موجهة لجيلي فقط؟ وإذا افترضنا أنها ذات جدوى فهل تصل إلى كل الجيل أم نخبة يسيرة من المتسكعين في عالم الصحافة؟ والذين يتخذون من التراشق الشخصي الذي لا يمت بصلة لأي جيل مادة دسمة للكتابة! وليحترق من يقرأ!
لجأت للقاموس ليساعدني على صياغة الجواب، فوجدت معاني لم أطلع عليها من قبل شعرت بعدها أنني جاهل! أولها أن الخُرافَة هي ما يجنى من الفواكه في الخريف! أي أن أصل الكلمة مستمد من فعل اجتماعي محبب، بل هو فرح أو عيد كعيد الحصاد لدى شعوب مختلفة. كما يضيف القاموس الخرافة: هي الحديث المستملح المكذوب. وفي موقع آخر: هي فن قصصي ذو مغزى أخلاقي غالباً يمثل الحيوانات كشخصيات رئيسة في القصة ولكن بصفات إنسانية.
إذن الخرافة هي فن، أي أنها ليست واقعية ولكنها مبنية على الواقع! فكتاب ابن المقفع (كليلة ودمنة) الشهير مبني كله على الحوار بين الحيوانات، ولم يفقد رونقه الفني والأخلاقي والسياسي حتى عصرنا الحالي لأنه مبني على الواقع. أما الأفلام الأميركية ذات أعلى مستوى من الإخراج ليست مبنية على الواقع! فهي تعتمد إما البطل (السوبرمان) أو شخصيات تأتي من الفضاء الخارجي، أو شخصيات وهمية (كمصاصي الدماء) أو آكلي لحوم البشر لحل المعضلات الاجتماعية! وتدعي أنها الحل الأمثل لمشكلات العالم (الحر)! ومن يدور في الفلك الأمريكي يتبع النهج نفسه، تماماً كما تفعل ما يسمى (السلطة الفلسطينية) .. تؤكد كل يوم بل كل ساعة أنها متمسكة (بالثوابت)! وهي تتخلى عن الثوابت بالجملة، وتريد كل الشعب الفلسطيني السير خلفها بحجة (المصالحة)! ثم تأتي طفلة بعمر (عهد التميمي) وتطرد الجندي الصهيوني المدجج بالسلاح (بقبضتها) الضعيفة وصراخها العذب وكأنه أنشودة، لأنها لم تلجأ للخرافة! بل للواقع!.
الذي يلجأ للخرافة هو الذي اعتنق الاستسلام كحل للمعضلات الاجتماعية والسياسية، وهم كثر عبر التاريخ والجغرافيا! أما لماذا المرأة تلجأ للخرافة أكثر من الرجل؟ فذلك لأن الظلم الواقع على المرأة أكثر بأضعاف من الظلم الواقع على الرجل! بالإضافة إلى أن المجتمعات في العالم أجمع تلقن الإناث منذ الولادة (الضعف والاستكانة) وأن يكُنَّ في (كنف) الرجل مهما كان (معاقاً)! وفي الوقت ذاته يشيعون أن أطنان الظلم الواقعة على المرأة كلها من (الرجل)! وأن الموروث الاجتماعي «يكرم المرأة ويمنحها حقوقها ويضعها في منزلة عالية» ثم يُفْهِمونَ الرجال أنهم «الأعلون»! وكي يثبتوا أنهم (رجال) لا بد لهم من التسلط على المرأة! ويفهِّموا الجميع أن العيش في الخرافة ليس «خرافة»! إنما هو الواقع بعينه!
الرأسمال لم يكتف بجعل المرأة تنعم بالحياة «الرغيدة» في «الخرافة» الموروثة منذ سيف بن ذي يزن! بل رفع الخرافة إلى «مستوى عال» حيث جعل المرأة تقتنع بأنها سلعة! و»الشاطرة» منهن والتي لا تقبل تسلط الرجال: هي التي تضرب الرجل والقيم الاجتماعية عرض الحائط وتكون سلعة تباع وتشترى، فالحياة هي «ربح» أو «فلوس»! أما الرجل «الشاطر» هو من ينهب من المرأة ليشتري مخدرات، حتى لو اضطر لقتلها!
أما أنت عزيزي القارئ - من جميع الأجيال - إن شئت أن تنكر الواقع، فتخيل أنك في عالم «خرافي» فيه الزمرد والاستبرق والحل والحلل، وفيه ما لذ وطاب من المشهيات والمقبلات، وإذا كان أجرك اليومي ريالاً «واقعياً» واحداً فاشتر «بيبسي» لكي تهضم كل ذلك!
** **
- د . عادل العلي