تضم أقسام اللغة العربية بالجامعات السعودية، وبعض الجهات الحكومية، والمراكز المتخصصة باللغة العربية عددًا كبيرًا من المؤهلين علميًا والمتخصصين بعلوم اللغة العربية وآدابها، غير أن أثرهم خارج عملهم الرسمي يكاد يكون محدودًا، ويكاد يقتصر على كتاب يؤلّفه، أو محاضرة أو ندوة يشترك فيها، وليس لهذه الجهود صفة الاستمرارية والحضور الدائم، بل هي مرتبطة بالدعوات التي توجّهها بعض الجهات، وخاصة في المناسبات التي تتعلق باللغة العربية، ومنها اليوم العالمي للغة العربية الذي بدأت الجهات في المملكة تحتفل به من نحو خمس سنوات تقريبًا منتصفَ ديسمبر من كل عام.
وقد غفل كثير من المؤهلين في علوم اللغة العربية عن وسائل الإعلام وأثرها وتأثيرها إذ هي مجال لنشر الصواب، والتحذير من الخطأ، مع أن من خاض هذا المجال من العرب حقّق شهرة كبيرة وتأثيرًا واسعًا، وأقرب مثال على ذلك برنامج حسن الكرمي «قول على قول» الذي كان يذاع من لندن، ثم جمعت مادته في كتاب من عدة أجزاء، وكان له قبول في كل أنحاء الوطن العربي.
وإذا توقفنا عند المتخصصين في اللغة العربية لدينا في المملكة العربية السعودية، وحاولنا أن نرصد جهودهم في وسائل الإعلام وجدنا أسماء محدودة، في مقدمتها: الدكتور حسن الحفظي من قسم النحو والصرف بكلية اللغة العربية بالرياض إذ أعد وقدم ثلاثة برامج، وهي: دروس في النحو العربي (1414- 1417هـ)، وشرح كتاب الآجروميّة (1420هـ)، وإعراب القرآن وصور من بلاغته (1422هـ).
ومن الأسماء: الدكتور محمد السبيهين في برنامجيه: مفردات غريب القرآن ومفرد غريب الحديث، والدكتور عبدالله بن حمد الدايل من جامعة الملك سعود ببرامج إذاعية وزوايا صحفية، إضافة إلى جهود عدد من الأساتذة الكرام في الإعلام الجديد من خلال حساباتهم في (تويتر)، أو (اليوتيوب)، ومازلنا نطمح للمزيد في ظل تنامي الأخطاء في وسائل الإعلام القديمة والجديدة على السواء.
وهذا البحث ينهض ببيان جهود زميلنا العزيز الأستاذ محمد بن عبدالعزيز الخنيني في خدمة اللغة العربية في الإذاعة والصحافة مدة ثلاثين عامًا (1409- 1439هـ)، واخترت أن ينشر بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية لهذا العام؛ نظرًا لأن الزميل سيحال إلى التقاعد في رجب القادم بعد أن أمضى في خدمة الدولة نحوًا من خمس وثلاثين سنة.
ومحمد الخنيني من مواليد مدينة الرياض في عام 1379هـ - 1959م، وفيها نشأ وتعلّم، وهو رفيق درب وزميل عزيز: عرفته طالبًا مجدًا في قسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، ثم التقينا معًا في إذاعة الرياض موظفيْن، وعندما أسندت إلي مهمة إعداد الملحق الثقافي بجريدة المسائية عام1411هـ اقترحت عليه المشاركة بزاوية لغوية فاستجاب مشكورًا، ثم دعوته في عام 1433هـ؛ للمشاركة في النادي الأدبي بالرياض بدورة تدريبية في مجال تصويب الأخطاء الشائعة فاستجاب كذلك؛ لذا فالصلة معه وبه وثيقة جدًا، وهو من أنبل من عرفت من الزملاء ويتمتع بخلق حسن وتعامل لطيف، وكل من عرفه أحبه ورضي تعامله وخلقه.
وعندما علمت بقرب تقاعده، نشأت فكرة هذا البحث؛ تنويهًا بجهوده في مجال خدمة هذه اللغة الشريفة، وتعريفًا بها، وتذكيرًا بعمل دؤوب دام ثلاثين عامًا، وهي مدة ليست بالقصيرة، وتستحق الرصد والتحليل.
وقد توجّهتُ له ببعض الأسئلة التي أسهمتْ في إضاءة ملامح عن أسباب تعلّقه باللغة العربية، وكشفتْ مصادر برامجه الإذاعية، وألقتْ الضوء حول تفاعل المتلقين لعطائه في مجال خدمة اللغة العربية برامجيًا.
وإذا كان محمد الخنيني قد تخصص في دراسته الجامعية في مجال اللغة العربية وآدابها، فقد كان هذا نتيجة تعلّقه بكتاب الله عز وجل وحفظه منذ نعومة أظفاره، وكان - مع اهتمامه بالحفظ - حريصًا على فهم معانيه والاطلاع على تفاسيره، ومن هنا فهو يرى أن «التضلّع من اللغة العربية على درجة كبيرة من الأهمية لفهم كتاب الله».
وفي مراحل التعليم المبكّرة: (الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية) قيّض الله لمحمد بن عبدالعزيز الخنيني أساتذة كانوا خير معين له في حب اللغة العربية والتعلّق بها، وتبعًا لذلك نشأ محبًا للغة العربية وعلومها وآدابها حريصًا على الذود عنها من خلال برامجه الإذاعية المختلفة، ومن خلال زاويته الصحفية «سياحة لغوية» بجريدة المسائية.
وما من شك في أن التعلق بالقرآن الكريم حفظًا لآياته، وقراءة لتفاسيره، ووجود أساتذة مهرة في مواد اللغة العربية في مراحل التعليم المبكّرة قد أسهمت في اتخاذ القرار في الدراسة الجامعية إذ اختار محمد الخنيني أن يلتحق بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بالرياض التابعة ل جامعة الملك سعود في حدود عام 1400هـ/1980م، وتخرج حاملاً الشهادة الجامعية بتقدير ممتاز عام 1404هـ/1984م، وكانت خسارة للقسم ألاّ يُختار محمد الخنيني معيدًا في القسم؛ نظرًا لتميزه ومعدله العالي، ولكن ربما أخذته أضواء الوظيفة من الجامعة وما تتطلبه من جهد كبير في الحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، وربما حالت ظروفه بعد ذلك دون مواصلة الدراسات العليا وهو على رأس العمل إذ هو مؤهل تمامًا لنيل أعلى الشهادات في مجال اللغة العربية.
وعلى أي حال فإن كانت الجامعة خسرته، فقد كسبته وزارة الإعلام (الثقافة والإعلام حاليًا)، وهي ربما تكون أشد حاجة إليه من الجامعة التي تضم عددًا كبيرًا من المتخصصين والعاشقين للغة العربية.
بدأ محمد الخنيني رحلته مع الوظيفة في وزارة الإعلام (إذاعة الرياض) بتاريخ 28/6/1405هـ، وعمل في البداية محررًا بإدارة الأخبار، ثم أسندت إليه الرقابة اللغوية، واجتاز اختبار المذيعين في عام 1416هـ، وحصل على بعض الدورات التدريبيّة التي أسهمت في رفع ثقافته ومهاراته في العمل، ومنها: دورة في تحرير الأخبار في الإذاعة والتلفزيون في دمشق عام 1408هـ/1988م، ودورة في العلاقات الدولية من معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية في عام 1415هـ - 1995م.
وخلال خدمته في وزارة الثقافة والإعلام التي قاربت خمسًا وثلاثين سنة، أسهم محمد الخنيني بإعداد برامج ثقافية عديدة، منها: طائر المساء، وروّاد الحضارة، وقراءة في مكتبتي، ومجلة الإذاعة، ومن ينابيع الحكمة، وضالة المؤمن، وأوراق شاعر، ومقامات سعودية، وبيت سائر قاله شاعر، إضافة إلى بعض البرامج اللغوية الصرفة، وهي ما سأتحدث عنها بالتفصيل في هذا البحث.
كما تولى العديد من المهام ذات الصبغة الإدارية في وزارة الثقافة والإعلام، منها: مستشار لمدير عام إذاعة الرياض، ومدير إدارة الإعداد (عمله الحالي)، ومدير عام إذاعة الرياض بالنيابة.
وخارج وزارة الثقافة والإعلام، اكتسب عضوية لجنة رعاية السجناء بمنطقة الرياض (تراحم)، وعضوية النادي الأدبي بالرياض.
وأسهم محمد الخنيني في المناشط الثقافية في إطار تخصصه ومجال اهتمامه (اللغة العربية وآدابها)، ومنها: أمسية شعرية في إذاعة الرياض عام 1431هـ، ومحاضرة بجامعة الملك سعود عنوانها «كلمات مهاجرة» عام 1433هـ، ودورة عن الأخطاء اللغوية الشائعة في النادي الأدبي بالرياض عام 1433هـ، وورقة في ندوة عبدالله بن خميس تناولت «تجربته في إعداد البرامج الإذاعية: من القائل نموذجًا» التي نظّمتها دارة الملك عبدالعزيز بالشراكة مع النادي الأدبي بالرياض عام 1435هـ، وشارك بورقة في ندوة «الأدب في قنواتنا الإعلامية: تجارب وشهادات» التي نظّمتها جمعية الأدب العربي بمكة المكرمة في الرياض بالشراكة مع النادي الأدبي بالرياض عام 1437هـ.
وتتجه النية لدى محمد الخنيني إلى طبع بعض مواد برامجه الإذاعية في كتب تحت العناوين التالية: أوراق من رياض العرب، وكلمات مهاجرة، وفصيح الكلام من حديث العوام، وسلامة اللسان، ومقامات سعودية، وبيت سائر قاله شاعر، وبعض قصائده المتناثرة في ديوان عنوانه «على ضفاف العمر».
وهذا البحث يُعنى برصد جهود محمد الخنيني في خدمة اللغة العربية عبر وسائل الإعلام، وبخاصة الإذاعة والصحافة، ويتكون من جزأين، الأول يختص بالجهود الإذاعية، والآخر بالجهود الصحفية.
أولًا: جهوده في خدمة اللغة العربية إذاعيًا:
يمكن التوقف عند ثلاثة برامج رئيسة أعدها محمد الخنيني وعُنيت باللغة العربية، أو بعلاقتها بغيرها من اللغات، وهي: سلامة اللسان، وكلمات مهاجرة، وفصيح الكلام من حديث العوام، وهناك برامج جاءت خدمة اللغة العربية فيها عرضًا، ومنها: معارف ومعلومات، ومن أعلام الخليج، وعالم الكتب، وغيرها.
وقد استند الخنيني في إعداد برامجه اللغوية تحديدًا على عدد من المصادر القديمة والحديثة، ومنها «لسان العرب» لابن منظور رحمه الله الذي وصفه بأنه في مقدمة الكتب التي يُرجع إليها في الإعداد، و«الصحاح» للجوهري، و«المعجم الوسيط»، و«مجمع الأمثال» للميداني، و«الكشكول» للعاملي، و«زهر الآداب» للحصري، ومن المعاصرة: «قول على قول» لحسن الكرمي، و»من القائل» لعبدالله بن خميس، إضافة إلى الكتب التي عُنيت بتصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة مثل: «معجم الأخطاء الشائعة» لمحمد العدناني، و«قل ولا تقل» لمصطفى جواد، وغيرها .
1 - برنامج سلامة اللسان:
هو أول برنامج لغوي أعده محمد الخنيني لإذاعة الرياض، ومدته ربع ساعة، وبدأت الإذاعة بثه بدءًا من دورة المحرّم 1409هـ، وأذيعت الحلقة الأولى منه في 1409/1/1هـ، وقدّمها إبراهيم التركي وسعود الذيابي.
وقد أعد الخنيني منه مئتين وحلقتين (202) في المدة من (1409ـ1410هـ)، وتضمنت الحلقة الأولى شرحًا لفكرة البرنامج، ومما جاء فيها: «سوف نتناول بإذن الله خلال دقائق برنامجنا كل أسبوع بعضًا من الأخطاء اللغوية الشائعة، مع إيضاح للاستعمال الصحيح لها، وإيراد ما يتيسّر من شواهد شعرية وقواعد لغوية تسهّل معرفة الاستخدام الصحيح وتجنب الوقوع في الخطأ».
وفي محاولة لإشراك المستمعين وزيادة تفاعلهم مع البرنامج وما يذاع فيه من مواد، وقياس صدى البرنامج لدى المتلقين، أبدى المعد في الحلقة الأولى استعداده لتقبل أي مقترح من المستمعين يخص تناول كلمة معينة، أو الإجابة عن أي سؤال يتعلق باختصاص البرنامج، وهو تصويب الأخطاء اللغوية الشائعة فقال: «إن كان لديك عزيزي المستمع عبارة تشك في صحتها، أو استعمال لست واثقًا من سلامته، بإمكانك أن تبعث به إلينا كي نوافيك بالإجابة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا».
وفي الصفحة الثالثة وما بعدها طرح المعد كلمات فيها أخطاء في الاستعمال اللغوي، وطالب باستخدام البديل الصحيح، مستشهدًا بالآيات الكريمة، وبالأبيات الشعرية، وببعض الأمثال القديمة، ومنها: «عاطل عن العمل»، ويرى الصواب «عاطل من العمل»، و«الكنبة»، ويرى البديل «الأريكة»، و«شاهد عَيان» بفتح العين، والصواب «شاهد عِيان» بكسر العين. يقول الخنيني عن الخطأ الأول: «نسمع بين وقت وآخر من خلال ما تبثه وسائل الإعلام قولهم: فلان عاطل عن العمل، وهذا استعمال خاطئ، ولم يرد في كتب اللغة الموثوق بها، والصواب: عاطل من العمل، أي باقٍ بلا عمل، وهو قادر عليه، يقول أبو تمّام:
لا تُنكري عَطَلَ الكريم من الغنى فالسيلُ حربٌ للمكانِ العالي».
وقد حقّق البرنامج في سنواته الثلاث التي أذيع فيها صدى واسعًا لدى المستمعين في داخل المملكة وخارجها، وكتبت عنه إحدى المجلات اللبنانية تقول: «في إذاعة الرياض برنامج سلامة اللسان يُحسن اقتناص الأخطاء اللغوية ويصحّحها بأسلوب جميل»، وطلبت جريدة الأيام البحرينيّة كامل حلقات البرنامج، ونشرت مادتها على مدى شهور في الجريدة .
كما أهديت بعض الحلقات صوتيًا إلى إذاعات دول الخليج العربية، وإلى إذاعات دول المغرب العربي عبر منظومة (المينوس)، وكان للمغرب والجزائر وتونس عناية خاصة ومتابعة ومطالبة بإرسال باقي الحلقات.
2 - برنامج كلمات مهاجرة:
هو البرنامج اللغوي الثاني الذي أعده محمد الخنيني لإذاعة الرياض، ومدته ربع ساعة، وأذيعت الحلقة الأولى منه في 28-12-1416هـ، وأنتجت منه مئتان وست وعشرون حلقة (226) على مدى ثلاث سنوات تقريبًا في المدة من (1416-1419هـ).
وربما تعود فكرة البرنامج إلى تعلّق المعد باللغات غير العربية إذ أجاد اللغة الإنجليزية، ودرس في الجامعة مقررات في اللغتين: الفارسية والتركية ، فلاحظ وجود هجرة للكلمات من لغة إلى لغة فأوحت له هذه الدراسة للغات بفكرة البرنامج.
والحق أن فكرة البرنامج جديدة، ومادته تحتاج إلى اطلاع واسع على المعجمات وإلى معرفة بعدد من اللغات، أو بمراجع معنية بانتقال الكلمات من لغة إلى أخرى، وتحمل الصفحة الثانية من البرنامج شرحًا للفكرة إذ يقول الخنيني في هذا السياق: «سوف نتطرق إلى الكلمات التي تركت موطنها الأصلي، وهاجرت إلى اللغة العربية أو العامية واستخدمت من قبل الناطقين بها، وسنسعى جاهدين من أجل رد الكلمة إلى أصلها وكيف انتقلت من لغتها الأم إلى العربية أو العامية أو العكس وما طرأ عليها من تحريف أو تبديل في صورتها أو دلالتها».
ومن الكلمات التي وردت في الحلقة الأولى من البرنامج: بندورة، والقوطة والقوطي، وكوبري، وفولسكاب، وطربوش، وكواليس، وتميز/ تميس، وكليشة .
يقول عن «تميز/ تميس»: «ربما سمع أحدنا كلمة (تميز) التي يستخدمها العامة للدلالة على نوع معيّن من الخبز يكون منقوش الوجه لذيذ الطعم يُخبز في التنور، ربما لم يخطر ببالك عزيزي المستمع أن تسأل، لكن في الحقيقة كلمة (تميز) قدمت إلينا من اللغة التركية، وهي في التركية (تميسTAMEES)، وتعني نظيف».
ونظرًا لجدة فكرة البرنامج وطرافة مادته فقد لقي قبولاً كبيرًا من لدى المستمعين، ويروي الخنيني الصدى الذي حقّقه فيقول: «اتصلتْ مستمعة كفيفة وقالت: إنها أخذت الدرجة النهائية في مادة (فقه اللغة)، وإن أستاذ المادة لم يستغرب حصولها على ذلك حين قالت له: إن ذلك ثمرة متابعتها لبرنامج «كلمات مهاجرة»؛ وفي إحدى دورات جائزة الملك فيصل العالمية قال له الدكتور حسن ظاظا رحمه الله: إن كوكبة من علماء المغرب جمعتهم به لقاءات أبدوا إعجابهم ببرنامج استغربوا وجوده عند المشارقة، وهو «كلمات مهاجرة»، فقال لهم الدكتور ظاظا: إن معد البرنامج هو تلميذي ويستشيرني في أصول بعض الكلمات».
3ـ فصيح الكلام من حديث العوام:
برنامج أسبوعي مدته ربع ساعة، وأذيعت الحلقة الأولى منه في 2/1/1431هـ، وأنتجت إذاعة الرياض منه مئتين وأربعين حلقة (240) في المدة من (1431- 1433هـ) .
وقد شرح محمد الخنيني للمستمعين فكرة البرنامج في الحلقة الأولى، ومما قال: «سنورد عبر فقرات البرنامج بعض الكلمات المستخدمة في اللهجة الدارجة، وتعدّ من العامي الفصيح، وسنلقي الضوء على جذور الكلمة ودلالتها في الفصحى والعامية، وما تفرّع عنها من معانٍ جديدة أو غريبة، ولسنا بصدد نقد تلك الكلمات واستخداماتها لدى العامة، ولكننا سنعمد إلى التعريف بها وإعادتها إلى جذورها الفصحى، وهذه الكلمات تعدّ بلا شك دليلاً على أن معظم المفردات المستخدمة في العامية هي امتداد لتلك التي تحدّث بها العرب الفصحاء، وكأننا ـ مع الفارق ـ نقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، والعصا من العصيّة!» .
ومن الكلمات التي وردت في الحلقة الأولى، وأثبت المعد نسبتها إلى الفصحى مع كثرة استخدام العامة لها، الكلمات التالية: ضربنْ، ومقنزع، وهلباج، وشمحوط.
يقول عن الأخيرة: «في عديد من اللهجات العامية يقولون: فلان (شمحوط)، أي طويل فارع الطول، ويُطلقون على المرأة الطويلة (شمحوطة)، ويجمعون شمحوط على (شماحيط)، والواقع أن كلمة (شمحوط) وما اُشتق منها تعد من العامي الفصيح، وجاء ذكرها في كتب اللغة، وتكلّم بها العرب الفصحاء، جاء في لسان العرب: الشمحط، والشماحط، والشمحوط: المفرط طولاً».
وبإحصائية تقريبيّة نجد أن محمد الخنيني أعد ما يقرب من سبعمئة حلقة إذاعية (700) ترتبط باللغة العربية من خلال برامجه الثلاثة: سلامة اللسان، وكلمات مهاجرة، وفصيح الكلام من حديث العوام.
وما يزال محمد الخنيني حتى اليوم (1439هـ) في إذاعة الرياض يناصر الفصحى ببرامجه، ويدافع عنها، ويحث على خدمتها في البرامج المختلفة.
ثانيًا: جهوده في خدمة اللغة العربية صحفيًا:
لم تقتصر دائرة اهتمام محمد الخنيني اللغوية على الإذاعة مقر عمله الرسمي، بل أسهم في خدمة اللغة العربية في الصحافة المحلية، وتحديًدا في «جريدة المسائية» التي كانت تصدر عن مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، وتوقفت في عام 1422هـ - 2001م.
وقد أقرت له الجريدة زاوية أسبوعية تحت عنوان «سياحة لغوية» في المدة من (1411-1417هـ) تُنشر كل ثلاثاء ضمن الملحق الثقافي «إبداع»، ونشرت الحلقة الأولى في شوال من عام 1411هـ - 1991م، وألمح في مستهلها إلى أنه سيحاول أن يمزج اللغة بالأدب انسجامًا مع اسم الملحق فقال: «ربما تبادر إلى ذهن قارئ هذه الأسطر تساؤل عن مناسبة هذه الفقرة في صفحة أدبية تُعنى بالأدب والشعر والنثر الفني، وقد يحكم بعض القراء مسبقًا بأن هذه الوقفات لا تخلو من الجفاف وتميل إلى الجدية التي يهرب منها مريدو الأدب وعشّاق الشعر، ولكنني تعهدت للمشرف على الصفحة بأن تكون تلك الوقفات مزيجًا بين اللغة والأدب، ووعدته بأن تكون سياحة جميلة نبحر خلالها في أعماق اللغة ونرسو فيها على مرافئ التراث..».
وبعد، فلقد أسهم الزميل الأستاذ محمد بن عبدالعزيز الخنيني طوال ثلاثين عامًا في خدمة لغة القرآن الكريم اللغة العربية في اثنتين من وسائل الإعلام المهمة، وهما: الإذاعة والصحافة، وبخاصة أن معظمها أنتجت ونُشرت في وقت لم يعرف فيه المتلقون وسائل الإعلام الجديدة التي صرفت الناس عن المتابعة الجادة لوسائل الإعلام القديمة.
وأقترح أن تُكرّم مثل هذه الشخصيات التي عملت بجد وإخلاص طوال سنين عديدة، وأسهمت في نشر الثقافة اللغوية على نطاق واسع بين شرائح مختلفة من المجتمع، وفي داخل المملكة وفي خارجها.
وأقترح أن ينهض مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية، أو أحد الأندية الأدبية بعقد حلقة نقاشية تحت عنوان «تجارب في خدمة اللغة العربية في وسائل الإعلام»، وتُستضاف لها بعض الأسماء التي ورد ذكرها في هذا البحث، وهم: د.حسن الحفظي، ود. عبدالله الدايل، ود. محمد السبيهين، ومحمد الخنيني، وغيرهم.
** **
د. عبدالله الحيدري - نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأدب العربي بمكة المكرمة وعضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية بالرياض