ليس كل أهل الأرض شعراء كي يزيفوا لنا الكلمات؛ فجزء منهم يغتصب حقوقك كي يعيش هو في مستوى معين من الحياة؛ ولهذا تتملكه الرغبة في القضاء عليك. هم لا يكتبون الشعر لك بل يكتبون خطواتك التي يريدونها. وانحرافك هنا هو خنوعك وخروجك عن الطبيعة التي أرادها لك الله؛ ولهذا فإن هذه الرغبة تزداد كلما ازددت خنوعاً لهم، وسيوصلون إلى الانحراف النهائي عن الحياة. أرأيت رغبة احتضان المرأة؟ إنها تتكرر من قِبلهم باتجاهك؛ فكلما هجعت ازدادوا شيطنة عبر رغباتهم. وانحرافهم هم يكمن في أنهم لم يسيروا وفق طبيعة الأشياء بل وفق الرغبة الداعية إلى السيطرة عليك.
ومنظومة الأخلاق التي يكتب عنها الفلاسفة، والتي يستطيعون إقناعك بها، يؤخذ منها ما يتوافق وتسيير حياتك، بل ربما تسيير أحلامك؛ فقراءة أسئلتك الضعيفة التي لا ترى إلا ما بين يديها، ولا تنظر إلى طبيعة الكون كاملة، سيستغلونها ويرون أنها نقطة ضعفك، وينقضون عليك. أما ما يتوافق مع طبيعة الحياة الحرة فإنهم يضربون به عرض الحائط، ويتركونه لتحليلاتك، والاستمتاع بما كُتب عن الأخلاق، ويتركون لك مناقشة هذه النظريات والسعي لتطبيقها على المجتمع، بينما هم يسيرون في خطى غير التي تفكر بها أنت. إنهم يبتكرون لك الوهم في طريقك، ويجعلونك تصغي له، بل يجعلونك تجادل وتشعر بأن هذا هو الصح وهذا هو الخطأ، وأنه يجب فعل هذا وتجنب هذا، دون أن يكون لردة فعلك أي تأثير؛ فهم ضمنوا أنك دخلت إلى شارع الوهم برغبة منك، ولم تأتِ هذه الرغبة من أجل الحصول على إجابة لأسئلتك التي تدور حولها، بل أتيت مستسلمًا لإجاباتهم التي وضعوها لك وأنت تعتقد أنها هي الإجابة الحقيقية، التي توصل إلى المراد الذي تريده.. وما هو هذا المُراد؟
ابتكر سؤالك، ولا تجعل أحداً آخر هو من يبتكر لك، لا تخشى شيئاً عن السؤال الذي ابتكرته؛ لأنك ستجد الإجابة، ليس من كتب المفكرين أو الفلاسفة أو واضعي النظريات أمامك، بل من الحياة ذاتها، الحياة سترسل لك إشاراتها وتقول لك هذا هو جواب سؤالك، فلا تتعطل، ولا تشغل ذهنك بما هو مقرر لك وما هو مقرر عليك؛ لأنك أنت وحدك صاحب الإرادة الحرة، أنت وحدك صاحب السؤال وصاحب الجواب ولا أحد يستطيع تسييرك.
إن ابتكارك لسؤالك يعني أنك كونت سؤالك الفلسفي، والسؤال الفلسفي لا أراه فرعاً من قائمة الأسئلة بل إنه الأصل والبقية تأتي كفروع، كسؤال التعليم، وسؤال الإنكار، وسؤال التعجب، وسؤال الحقيقة، وسؤال الشك، وسؤال الضعف، وسؤال الدهشة، وسؤال الحيرة، وسؤال التهكم، وسؤال القدرة، وسؤال الغيبيات.. إلخ. لماذا؟ لأن السؤال الفلسفي يشمل كل هؤلاء، ويوصل إلى المعرفة أو قدرة الإنسان على المعرفة. وتفسيرًا لهذه القدرة أقول: أمام ما نراه في الكون تقف قدراتنا عند حد معين، ولكن عقلنا لا يقف عند هذا الحد بل يسعى للتجاوز ليأتي سؤال الخيال، وما بين العقل والتجريب يكمن هذا الخيال، الذي لا محالة أنه سيقف عند حد معين.
ومعنى أنك كونت سؤالك الفلسفي الخاص بك أنك دخلت في خلاف مع الآخرين، وهذا الذي لا يريدونه منك؛ لأنهم يودون منك أن تبقى على ما أنت عليه من معرفة محدودة وقدرات غير مكتملة؛ كي تستمر سيطرتهم عليك.
وعليك معرفة أن سؤالك سيمثل صدمة لمن حولك، ولكن لا تتردد على الإطلاق؛ فالذين يقفون على حدود الكون يرون أكثر ممن يرى وهو يعيش في وسطه، وأنت بعقلك على حدود الكون، ولا تخشى شعور من يخالفك وحكمه عليك، ودعهم يغضبون منك عند السؤال؛ لأنك عندما تسعى لنشر ثقافة السعادة ستصبح عبر محولات اجتماعية فاعلاً أكثر ممن خالفك أو انصدم بسؤالك أو رأيك. ولأن الثبات على السؤال هو تحريك للسكون الذي يخنع له الجميع، والذي يريده من يود السيطرة على المجتمع. أقلق راحتهم وكن واثقاً بسؤالك.
غداً أو بعد غد يمارس الناس سواءتك التي ينهونك عنها!!
- برناردشو
** **
- محمد الغامدي