ياسر صالح البهيجان
ثمة مبادرات مجتمعيّة متميزة تعالت أصواتها في الأشهر الماضية تدعو السكّان إلى ممارسة رياضة المشي في الطرقات العامة والحدائق والمتنزهات، وازداد الوعي بأهميّة الرياضة كوسيلة للوقاية من الأمراض الأكثر شيوعًا كالسكر وارتفاع ضغط الدم وأمراض السمنة، إلا أن التحدي الأكبر لنجاح تلك المساعي يكمن في ملاءمة البيئة المحيطة وقدرتها على تحفيز الأفراد للمضي قدمًا في ممارسة نشاطهم الرياضي.
الوعي نقطة ارتكاز محوريّة في تحوّل المجتمع من حالة الخمول إلى النشاط الرياضي المثمر، لكن ماذا إن كانت الطرقات غير مهيأة أو خالية من المناظر الجمالية، أو لا تحظى بالنظافة الكافية؟، تساؤلات مهمة تضعنا أمام إمكانية وضع استراتيجية تطويرية تنهض بالفضاء المكاني ليمارس دوره الإلهامي في صناعة مجتمع صحي ورياضي.
لا تزال لدينا طرقات لا توفّر مسارات كافية ومخصصة للمشاة، وإن توفرت فإننا سنصطدم بمعضلة أخرى تتمثل في عدم مراعاة تلك المسارات لمعايير الأمن والسلامة، ويغيب معها التخطيط السليم للتقاطعات المرورية، ومحدودية اللوحات الإرشاديّة اللازمة، ولعل معدلات حالات دهس المارة والتي تطالعنا الصحافة بها باستمرار كفيلة للتأكيد على أن ثمة اختلالاً في علاقة المشاة بسائقي المركبات، وهي أحد العوامل المعيقة لاتجاه المجتمع نحو ممارسة الرياضة بسهولة دون محاذير.
ومن الإشكالات الخطيرة أيضًا أننا لا نزال ضمن قائمة أعلى الدول في معدلات تلوث الهواء كما تشير تصنيفات منظمة الصحة العالمية، وإن كان الهواء مليئًا بالمايكروبات المتلوثة فإن استنشاقها بكثرة أثناء ممارسة الرياضة قد يُنتج مخاطر صحيّة لا تقل ضررًا على الجسم عن الخمول والكسل، ما يفرض أهميّة كبرى لعمل الجهات المعنية بالبيئة لتنقية الهواء داخل المدن، وإبعاد التجمعات الصناعية عن الأماكن المكتظة بالسكان، لتوفير أجواء تبعث على الاطمئنان وتحفز الفرد على الانخراط في النشاط الرياضي دون مخاوف.
ولا يمكننا إغفال أهميّة جماليّة المكان في إضفاء طابع تحفيزي للمجتمع، وتشير دراسات متعددة إلى أن الأماكن المفتوحة والمشجّرة والحافلة بالتصاميم الهندسيّة الجذابة تزيد من رغبة الفرد في ممارسة رياضة المشي والتنزّه، أمّا إن كانت المساحات مغلقة وضيقة وتعاني حالة تصحّر ودون أي لمسات جمالية فإنها ستلقي بظلالها على مزاج الأفراد، ولن يتجهوا لأي نشاط بدني وسط تلك البيئة السلبية.
أخيرًا، يمكننا القول بأن الوعي المجتمعي يمثل نواة للاتجاه نحو ممارسة الرياضة، ويبقى الفضاء المكاني بخدماته ونظافته وجمالياته الفيصل في مباركة ذلك الوعي أو تحطيمه وإعادته إلى نقطة الصفر.