أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: ألقيت محاضرةً ارتجلتها يوم الاثنين 30-3-1426هـ؛ أي منذ ثلاثة عشر عاماً قبل أن يغزوني داء الزهايمر عصمني الله وإخواني المسلمين من سوء عقباه الوخيمة؛ وكانت تلك المحاضرة بمقر مؤسسة الملك فيصل الخيرية رحمه الله تعالى؛ وكانت بعنوان (تفسير القرآن الكريم بين العقل والنقل)؛ وقدم للمحاضرة وأدارها الدكتور ناصر بن سعد الرشيد؛ وكان يتحدث بلهجةٍ بدوية مليحة؛ وقد اكتسبها من مقر مسقط رأسه (الشعراء)؛ وكانت آنذاك محطاً للرحال؛ وقد كثرت المداخلات وعنفت؛ فشكرت للناصح الأمين ما أدلى به، وكنت أشد عنفاً مع من تكلم بغير علمٍ؛ وكان ذا هوى؛ فلعلها تتاح فرصة للترطب في أفيائها.
قال أبو عبدالرحمن: مدارس العلماء في التفسير متعددة؛ فمنها المدرسة النقلية التي تعتمد على رواياتٍ معزوةٍ إلى الشرع المطهر من غير تمحيصٍ؛ ومنها الموضوع والواهي، وما هو في غير محل النزاع لعللٍ في الدلالة أو الثبوت؛ وهؤلاء في عرف بعض العلماء حشويون.
ومنها مدارس عقلية؛ والعقل منها براء؛ وهي تلك المدرسة التي اشتغلت بالكلام الذي جعل قسماً من الفلسفة؛ وما الفلسفة في تحقيقي إلا ضرورات العقل الآتية إليه من الأنفس والآفاق؛ وقد جعله الله شرطاً للتكليف.. وهذه المدرسة ادعت على العقل بغير هدى من الله في تفسير القرآن الكريم؛ فضلت وأضلت، وجعلت العقل في غير مكانه، وجاوزت به حدوده، فأوردهم ذلك ومن سار على نهجهم المهالك؛ وألفت النظر إلى سير بعض أئمة المتكلمين من المعتزلة من أمثال إبراهيم بن سيار النظام، والعلاف، والجبائي، وأمثالهم وما في سيرهم من الفسق والتهتك، ورقة الدين؛ مما يجعل الاقتداء بهم، والسير في ركابهم حماقةً قبل أن يكون خروجاً عن الهدى والصراط المستقيم؛ وذلك بخلاف أئمة الإسلام الذين عرف عنهم الزهد والعبادة الصادقة، والورع وطلب العلم وتبليغه لله وفي الله؛ مما جعل الاقتداء بهم والسير في ركابهم بركةً وتوفيقاً وحكمةً.. مع لفت النظر إلى علم الفريقين، وما على علم الفريق الأول من الظلمة والغبش، وما فيه من الغموض، وما له من الوحشة؛ فكلامهم (منزوع الدسم) كحال كلام تلاميذهم من أهل الكلام المعاصرين؛ وبخلاف ذلك ما على علم الفريق الثاني من النور، وما له من القبول والبركة في نفوس طلاب الحق.
قال أبو عبدالرحمن: والمدرسة الثالثة المدرسة النقلية العقلية؛ وهي التي يمثلها أئمة التفسير من أمثال ابن عباس رضي عنهما وتلاميذه؛ وهكذا المفسرون من أمثال ابن جرير الطبري، وابن عطية، والقرطبي، وابن كثير، وغيرهم رحمهم الله تعالى جميعاً؛ وهم الذين فسروا القرآن بما صح من تفاسير الصحابة والتابعين والسلف؛ مع إعمال العقل في الترجيح والاستنباط، والتمكن من العلوم التي لا بد للمفسر منها؛ وهؤلاء هم الذين يصح أن يوصفوا بالعقلييين الذين وضعوا العقل في موضعه الصحيح، ولم يجاوزوا به مكانه ووظيفته.
والمدرسة الرابعة: مدرسة الباطنية؛ وليس لها من الإسلام نصيب؛ ولهؤلاء خصوص تفرغٍ مني في كتبي ومقالاتي.
والمدرسة الخامسة: المدرسة الصوفية التي تفعل فعل المدرسة الباطنية؛ وذلك بتفسير القرآن بما لا يدل عليه نصه، ولا سياقه ولا قرائنه.. إن مدرستهم في جملتها ادعاآت كشفٍ، وأوهام لا حقيقة لها، ومثلها المدرسة التحريفية التعمدية؛ وهم طرائق وفئات كثيرة قديماً وحديثاً؛ وإنما همهم، ورسالتهم المجرمة: التضليل بتفسير القرآن بما لا يدل عليه، وضرب آياته بعضها ببعض رغبةً في إضلال المسلمين عن دينهم، وصرفهم عن فهم القرآن؛ ويدخل في هذه المدرسة كل من حاول وقام بتحريف القرآن قديماً كأفراد من اليهود والنصارى، وأضرب مثلاً بإسماعيل بن النغرالة اليهودي المعروف الذي رد عليه ابن حزم، وابن كمونة وغيرهم، وحديثاً بما صنعه بعض المستشرقين الذين قاموا بالعمل نفسه؛ وإلى لقاءٍ في السبت القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.