الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
شدَّد عدد من قيادات العمل الإسلامي على مسؤولية العلماء والدعاة في الإسلام في مواجهة حملات التضليل التي تستهدف الإسلام، وإبراز صورة الإسلام الصحيحة.
وأجمعوا على أن صورة الإسلام والمسلمين تتعرض لكثير من التشويه والتحريف؛ ما أوجد صور مغلوطة، تراكمت ملامحها عبر سنوات طويلة، ويحتاج تصحيحها لعمل جاد وجهد دؤوب. وأشاروا في أحاديثهم لـ«الجزيرة» إلى ضرورة العمل على وضع استراتيجية المعالم لرد الاعتبار، وتصحيح الصور المغلوطة.. وفيما يأتي نص أحاديثهم:
توحيد الجهود
يقول الشيخ محمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية: إن علماء ودعاة الأمة في كل مكان مطالَبون بتوظيف جميع السبل الممكنة والإمكانات المتاحة من أجل القيام بمهمة تصحيح صورة الإسلام وتحسينها، وعليهم أن يدركوا حجم المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقهم؛ ذلك أن عملية تصحيح صورة الإسلام والرد على الحملات الشرسة المغرضة ليست أمرًا هينًا وبسيطًا، يمكن أن يتم بطريقة عفوية وارتجالية بعيدًا عن القيام بعملية الرصد والاستقصاء وجمع المعلومات من جهة، وإدراك جميع الأبعاد والمتغيرات والتحديات من جهة أخرى.
وعلى كل المسؤولين عن الدعوة والإعلام الديني أن يدركوا أننا أمام عولمة كاسحة وهيمنة غربية كبيرة في مجال الإعلام وتدفق المعلومات، تتطلب توحيد الجهود والمبادرات لمواجهة حملات التشويه الإعلامي للإسلام وحضارته من خلال استثمار العلماء للنظام الإعلامي المعاصر للتعريف بالإسلام، وتوضيح صورته، أي أنه لا بد من وضع المناهج والوسائل التي من شأنها تحقيق الغايات المنشودة والأهداف المقصودة.
الالتفاف حول العلماء
ويؤكد الشيخ عبدالقادر عبدالرحمن أبو قرون رئيس الحسبة وتزكية المجتمع بالسودان أن للعلماء دورًا كبيرًا في مواجهة الفتن وتحديات الأمة الإسلامية وبيان حقيقة الإسلام بالأدلة المستمدة من الكتاب والسنة. وقد قال الله تعالى في كتابه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}، وقال تعالى أيضًا: { إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
فالعلماء الربانيون هم يعرفون الحق، ويدلون الناس عليه، وهذه بشهادة الله لهم. والعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة كما في الحديث؛ ولذلك وجَّه الله تعالى الناس إلى العلماء فقال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، خاصة عند النوازل والفتن، فقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}، وقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}. ونحن في هذه الأزمنة التي كثرت فيها الفتن، وأقبلت فيها كقطع الليل المظلم، في أشد الحوج إلى الالتفاف حول علمائنا.
وكما قيل إن الفتنة إذا أقبلت لا يعرفها إلا العالم، وإذا أدبرت عرفها العالم والجهال. وقد عانت الأمة الإسلامية من فتنة التطرف والتكفير وفتنة الشيعة الرافضة الذين استغلهم أعداء الإسلام لضرب الإسلام باسم الإسلام. ولا مخرج للأمة من هذه الفتن الداخلية والخارجية إلا بالرجوع للعلماء الربانيين الذين عرفوا الوسطية والاعتدال دون تطرف أو غلو. فالتحديات الماثلة أمامنا كبيرة جدًّا؛ فأعداء من الداخل يشوهون صورة الإسلام، وأعداء من الخارج يريدون أن نتبع ملتهم كما قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم}. وهنا يظهر دور العلماء في بيان الحق بالحكمة والموعظة الحسنة؛ حتى لا تختلط على الناس الأمور. وعلى العلماء أن يتحلوا بالصبر والحلم، ولا يتعاملوا بردود الأفعال عند التغيرات والفتن. كما قال عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله-: تحدث للناس أمور بقدر ما حدث في زمانهم من الفجور، وعليهم أن يكثروا من الدعاء لولاة أمورهم أن يوفقهم الله تعالى إلى البر والتقوى، ومن العمل ما يرضي، ولجميع المسلمين؛ حتى يصلح الله الأحوال، ويدفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
الخطر الداهم
ويشدِّد د. ماهر خضير عضو المحكمة العليا الشرعية في فلسطين عضو هيئة العلماء والدعاة بالقدس الشريف وعضو الاتحاد العالمي للمؤسسات العلمية على أن للعلماء والدعاة دورًا عظيمًا وكبيرًا في دفع الخطر الداهم على الإسلام من حملات التشويه والتضليل الوافد الذي ينشره أعداء الإسلام من العلمانيين والكفار. كما أن لهم دورًا مهمًّا في القضاء على ما يتعرض له الإسلام، ويوهن قوته؛ ذلك أن العلماء هم ورثة الأنبياء في التغيير والإصلاح والرد على الشبهات والشائعات، وهم دائمًا حملة مشاعل الهداية وصمام الأمان للأمة من الضلال والهلاك؛ لأن لهم جهودًا في البيان والبلاغة والنصح والإرشاد وقوة الرد والفهم.
وإن حملات التشويه التي يتعرض لها الإسلام في العالم القصد منها إذلال المسلمين وإضعافهم، والسيطرة عليهم وعلى دولهم، وانتشار الظواهر المضلة كالإسلاموفوبيا أو الحركات التي تقتل باسم الإسلام والدين، وما هي إلا لتشويه الإسلام والتشكيك فيه، والدين من هؤلاء براء.
إن المطلوب من علمائنا ودعاتنا أولاً هو الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، وإحياء التضامن والتعاضد الإسلامي؛ إذ إن الوحدة الإسلامية قد وهنت في عصرنا، وضعف الولاء لبعضنا. ومن واجب العلماء والدعاة أن يعملوا على تعميق الدين الصحيح لدى المسلمين في كل مكان، وأن يبثوا روح الآمال والثقة في الدين الإسلامي وفي نفوس الأجيال، وأن يبددوا اليأس والقنوط من قلوبهم حتى يتجاوزوا الحال التي آلت إليها أمتنا من الفرقة والتشتت والوهن والتردي.. وعلى العلماء أن يجاهدوا باللسان والكلمة والقلم والبلاغ والبيان لإزالة المعوقات الفكرية والثقافية الملوثة التي تبث روح اليأس في نفوس الشباب، وعليهم أن يبينوا للمسلمين أن الفتن والفرقة التي تلحق بالمسلمين ما كانت لتحدث لولا أن عقد المسلمين مفكك، وتضامنهم منفرط.. وصدق الله تبارك وتعالى؛ إذ قال: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}. وإن المسلمين في كل مكان يتطلعون إلى علماء الأمة ودعاتها الكثيرين في إصلاح الخلل ورأب الصدع والدفاع عن الإسلام والمسلمين.. فهم ورثة الأنبياء في العلم والدعوة والبيان والإصلاح والمواجهة والدفاع لإبراز الصورة الحقيقية والصحيحة للإسلام والمسلمين.
الصورة السيئة
ويجزم د. حمادة غازي إمام المركز الإسلامي بسانتانا دو ليفرامينتو بالبرازيل أن هذا الموضوع من أهم الأطروحات الآن، بل أهمها؛ فالإسلام ليس متهمًا، ولكن بعض من ينتمي إليه أساء إليه؛ فتكونت صورة سيئة عن الإسلام عند الآخر؛ لذلك مسؤولية العلماء والدعاة عظيمة لتبليغ حقيقة الإسلام وتعاليمه لمن يجهلها أو أساء فهمها. قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}. فلا بد أن تكون هذه الجهود قائمة على استراتيجية صحيحة، مرجعها أهل العلم من العلماء الربانيين، وليست ارتجالية، إنما لا بد من معرفة الإمكانات والوسائل لتحقيق الهدف. وأقترح دقة اختيار من يتكلم عن الإسلام؛ لأن هناك من يفسد أكثر مما يصلح؛ فلا بد من العلم والحكمة والبيان، ومراعاة عقلية الآخر ومعتقداته، والبُعد عن الحماس والإثارة، واستخدام الإقناع والإيضاح، والتصحيح من الداخل أولاً؛ لأن نظرة الغرب إلى الإسلام من خلال واقعنا نحن المسلمين؛ فلا بد من التشديد على إبراز القيم الإسلامية والأخلاق والسلوك، والاهتمام بالنشء حتى سن 30؛ لأنهم فئة مهملة، يسهل التأثير عليها من قِبل أهل التطرف والأفكار الهدامة، مع أهمية إظهار حقيقة التطرف وشبهات المتطرفين، وتفنيدها، والرد عليها بإظهار سماحة الإسلام ورحمته، وكيفية العلاج بالحكمة والموعظة الحسنة. كما أن للمسجد دورًا كبيرًا جدًّا في الحفاظ على وسطية الإسلام، وإخراج جيل بعيد عن التطرف. أما بالنسبة للخارج فالدين المعاملة نظام حياة، يدعو إلى التعايش، لا إلى إقصاء الآخر وغرس صورة سيئة عن الإسلام، وتجديد الخطاب الديني بما يفهمه الغرب، بما لا يخالف شرعنا، لكن نخاطبهم بما يفهمون لإيصال الفهم الصحيح للإسلام. وسوء فهم الغرب للإسلام يبدأ من كلمة الإسلام؛ فهي عندهم تطرف وإرهاب؛ فلا بد من عقد الندوات والمؤتمرات لبيان معنى الإسلام الصحيح، واستخدام وسائل الإعلام المختلفة لبث أخلاق الإسلام بكل اللغات إن أمكن، ودعوة المدارس والجامعات غير المسلمة لزيارة المساجد والتعرف على الإسلام الصحيح؛ فهم أكثر فئة مؤثرة في المجتمع.