ماجدة السويِّح
يبدو أن الطاهية الأمريكية الشهيرة راشيل راي عملت بالمثل القائل «إذا سرقت فاسرق جمل»، ففي الليلة السابقة للكريسميس فاجأت الطاهيةالشهيرة متابعيها وجمهورها على تويتر بصورة فائقة الجمال لمجموعة من الأطباق الشهية كالتبولة، الحمص، ورق العنب، المتبل وغيرها الكثير من الأطباق المعروفة، وقدمتها كأطباق «إسرائيلية» حسب زعمها، دون اعتبار للملكية الثقافية وللمطبخ الفلسطيني.
«راشيل» كانت أكثر تهورًا وربما ذكاءً في تزوير التاريخ ونهب أطباق المطبخ الفلسطيني دفعةً واحدةً من الحكومة الإسرائيلية، التي تحاول بين فترة وأخرى تقديم الأطباق الفلسطينية كمنتج شعبي ووطني لإسرائيل «بالقطاعي»، فمرة تعلن عن الحمص كطبق وطني، ومرة أخرى تعلن عن الفلافل كطبق شعبي رغم عمق تاريخ الفلافل والحمص، مقارنة بعمر دولة المحتل الإسرائيلية.
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يعد محصوراً بالأرض المحتلة والوطن المنهوب، بل تطور وتمدّدت ساحة معركته لتشمل الثقافة المحلية، خصوصاً المطبخ الفلسطيني الذي يواجه عملية منظمة ومدعومة للاستيلاء على المطبخ الفلسطيني، وتصديره للعالم باسم إسرائيل لتقوية وجودها بإرث ثقافي تمتد جذوره إلى آلاف السنين .
في عام 2015 كانت «الشكشوكة» من أوائل المنهوبات رسميًا حينما قدَّم الوفد الإسرائيلي الرسمي الشكشوكة للأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون كطبق شعبي إسرائيلي. عملية الدعاية المستمرة أثمرت جهودها في خلق التشويش وتصدير المطبخ الفلسطيني باسم إسرائيل، في المطاعم الفلسطينية والإسرائيلية في العالم الغربي تجد التشابه الكبير في قوائم الطعام المقدَّم، فتزوير الثقافة مهنة إسرائيلية بامتياز، وصنعة تجيدها إسرائيل في نهب ثقافة وحضارة الشعوب.
المحاولات ما زالت مستمرة لتزوير الثقافة والهوية الفلسطينية عبر قيام شركات صهيونية بتصدير الحمص كمنتج وطبق شعبي إسرائيلي بأمريكا، بعد إعلان إسرائيل بأن الحمص طبق وطني.
الدعاية الممنهجة لتزوير تاريخ المطبخ الفلسطيني العربي وتصدير هذه الفكرة للعالم الغربي أثمرت وأينعت في وقتنا هذا، فنشاهد الكثير من المشاهير الآن في أمريكا وأوروبا ينشرون الطعام الفلسطيني كمنتج إسرائيلي نتيجة لقوة الدعاية في تزوير التراث الفلسطيني، والدعم الحكومي المؤسسي في تنظيم الجهود لنشر التاريخ المزوّر على أوسع نطاق.
الجهود في مواجهة مزيفي التاريخ ما زالت جهوداً فردية مؤثِّرة، كإصدار الشيف البريطانية من أصل فلسطيني جودي القلا كتاباً بعنوان «فلسطين في طبق طعام» لحفظ تاريخ المطبخ الفلسطيني، وقطع الطريق على المحاولات الإسرائيلية لتزييف التاريخ، كما تعمل على رعاية مشروع نادي العشاء في أحد المطاعم بلندن لتذوّق الطعام الفلسطيني، عبر دعوة أشخاص من مختلف الثقافات والبلدان، لكن تظل تلك الجهود الفردية قاصرة أمام الدعاية الإسرائيلية المكثَّفة لتزوير التاريخ، كما تفتقر للعمل المؤسساتي المنظَّم الذي تحتاجه هذه المرحلة من التاريخ، لحفظ التاريخ والثقافة الفلسطينية.