ياسر صالح البهيجان
التفريق بين العروبة والإسلام رغم اتحادهما في تكوين الرسالة الدينية الخاتِمة جاء نتيجة تغوّل دعاة القوميّة العربيّة وإقصائهم للدين من جانب، وأيضًا بفعل التيارات الإسلامويّة المتشددة من جانب آخر، إذ إن الحرب الفكريّة الضروس بينهما في العقود الماضية فرضت ظرفًا ثقافيًا برر لكل منهما الاتجاه نحو ضرب حاجز بين الإسلام والعروبة وكأنهما ضدان لا يجتمعان، بينما هما عمودان متجاوران يؤسسان الدين الإسلامي.
الاتجاه العروبي المتطرّف يعتقد بأن رفض صلة العروبة بالإسلام من شأنه أن يوحّد المجتمعات العربية ذات الأديان المختلفة، وهذه الرؤية انطلقت من مفهوم خاطئ يظن بأن الدين الإسلامي لا يؤمن بالتعايش السلمي والمشترك بين أتباع الأديان كافّة وإن كانوا داخل نطاق دولة إسلامية، كما أن صنيعهم أتى بغرض سحب البساط من تحت أرجل رموز الدين في المجتمعات العربية، الذين كانوا يسيطرون على الفضاء العام والشعبي، ويحظون بتأييد مجتمعي لا يستهان به.
فيما اتجهت التيارات الإسلاموية المتشددة إلى إبعاد العروبة عن الدين بهدف حزبي يسعى إلى مد نفوذهم نحو المجتمعات الإسلامية غير العربية كالتركيّة وبعض المجتمعات الأوربية والآسيويّة، تحت مفهوم الحزب العالمي الذي كان يروم بلوغ مراتب السلطة السياسية والسيطرة على الحكومات والموارد الاقتصاديّة، أي أن الدين تجاوز مفهومه التعبّدي لديها إلى كونه مصدرًا لتحقيق مكاسب لا دينية، لذا ضحّت بقيمة العروبة لإقناع غير العربي بإمكانية الالتحاق بالحزب تحت ذريعة الأخوّة في الدين.
الخصومة بين العروبيين والإسلامويين أغشت الأبصار والأفئدة، فماذا يعني أن ينزل القرآن الكريم باللغة العربية، وأن يبعث النبي الخاتم من أصل عربي، وأن يتجه عموم المسلمين إلى قبلة تقع في أرض العرب؟ ذاك كان تشريفًا إلهيًا للغة والإنسان والأرض العربية، وتوأمة إلهيّة خالدة بين الدين والعروبة لا يُقبل الفصل بينهما دون حجّة بليغة ترتقي لمستوى النصوص المقدّسة التي أعلت من منزلة اللغة والإنسان والأرض بنسبتهم إلى العرب.
سوء الفهم الناتج عن التوءمة بين العروبة والإسلام يكمن في الاعتقاد بأنها تفضي إلى الاستعلاء وازدراء الآخر غير العربي، وهو فهم سقيم؛ لأن اللغة والدين أمران يمكن لأي إنسان اكتسابهما، اللغة بتعلمها والنطق بها، والدين باعتناقه واتباع مبادئه، وكل من انطلق لسانه بالمفردات العربيّة الفصيحة واتبع الدين الإسلامي الصحيح أصبح مسلمًا وعربيًا كذلك.