د. محمد عبدالله العوين
المطلوب أن نعود إلى طبيعتنا البشرية السوية كبقية البشر في أرض الله الواسعة، وأن نعيش وفق ما نعتقد أنه الأفضل والأكثر تعبيرًا عن ذواتنا لا وفق ما نجامل به تيارات معينة أو نرضي به أناسًا لا يعلمون كثيرًا عما يحدث في العالم كله من تحولات فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية هائلة تفرض نفسها شئنا أم أبينا على كل إنسان في هذه الأرض مهما كان مكانه قصيًا ونائيًا.
نعم بدأنا من سنوات قليلة جدًا ربما لا تزيد على ثلاث في اتخاذ مبدأ عدم المجاملة أو مراعاة خواطر بعض من يتوجس خوفًا، وبدأنا في تغيير كثير مما تعودنا عليه ورأى كثيرون أنه لا يمكن بأي حال تغيير ما وجدنا أنفسنا عليه من نمط اجتماعي في الحياة.
ومن يقرر أن القاعدة تفرض أن ما كان أمس يجب أن يكون اليوم فهو بعيد عن المنطق السليم والرؤية البصيرة لمبدأ التغير والتغيير الدائم في الحياة، وهي سنة الله في الخلق وتكوين الأمم والحضارات، وليلق هذا النفر الذي يفكر على هذا النحو نظرة تأمل هادئة قارئة متبصرة على إيقاع حياتنا الاجتماعية والاقتصادية بعد توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز -رحمه الله- والآن؛ كيف كنا وكيف أصبحنا وما مر به أجدادنا وآباؤنا ثم نحن من تطورات هائلة شعرنا بها أم لم نشعر أدركنا عمقها أم لم ندرك؛ ولو أراد أي جيل من تلك الأجيال أن يوقف عجلة تغيير ما كان يألفه لم يستطع إلى ذلك سبيلا، ولو أراد جيل الانعزال ورفض الطارئ الجديد لم يستطع إلى تحقيق رغبته والنأي بذاته عن مخاوفه التي تقلقه.
وما يحدث في عالم اليوم من تحولات هائلة يدفع بكل شعب وأمة في أية بقعة من هذا العالم إلى أن تعيش إيقاع اليوم الجديد، وعليها أن تحدد أسلوب التعايش معها ومع الحضارات التي أنتجتها واتخذتها نمطا وطريقة لحياتها، ومما يؤلم حقا أننا الآن -مع ألم كبير- لا نضيف إلا القليل مما يبهج ويسعد ويرفع الرأس للحضارات الإنسانية، مع الإيمان بقدراتنا الكامنة وتاريخنا المشرف في فترات السيادة العربية والإسلامية وقيمنا الأخلاقية السامية وما تحمله جيناتنا وما تربينا عليه وتلقيناه من طبائع كريمة نفاخر ونزهو ونتغنى بها؛ إلا أننا نأخذ أكثر مما نعطي، ونستجدي الحضارات المتسيدة فضل نتاج عبقرياتهم وتفوقهم من إبرة الخياطة إلى الشماغ الذي نرتديه إلى السيارة التي نركبها إلى الدواء الذي نتطبب به إلى الطيارة التي تنقلنا إلى عواصمهم إلى الصاروخ والمدفع والذخيرة التي ندافع بها عن أنفسنا.
نحن في مرحلة حضارية لا نفرض فيها شروطنا، وكنا سابقًا نفرض شروطنا ونمطنا على العالم، ولا يحسن ونحن في حالة كهذه من الضعف في الإضافة والتأثير أن نتدلل ونتباهى بما لا نملك من قوة.
وقبل أن نكون قوة حضارية مؤثرة في العالم ليس أمامنا إلا التكيف وتقبل الجديد، وإن أبينا أكرهنا على ذلك شئنا أم لم نشأ.