عروبة المنيف
من أجمل الأحاسيس تلك المرتبطة بالشعور بالأمن والأمان، فالإقبال على الحياة يصبح أكثر تفاؤلاً والعزيمة أقوى والهمة أعلى، فشعورك بأنك تقف على أرض صلبة وثابتة بدون تقلبات وهزات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية مستمرة هو نعيم أرضي بدون شك لا يشعر به إلا من عاصر تلك التقلبات وعايشها وتعرض للمخاوف والتوجسات والهزات بين الحين والآخر.
لقد دأب الحاقدون والحاسدون على تشويه صورة المملكة وإشاعة الخوف عندما تحين الفرص. مهاجمون متيقنون بأننا عائدون يوماً ما إلى الخيام والفقر ويتمنونه قريباً، فالثروة التي ننعم بخيراتها ستنتهي عاجلاً أم آجلاً والاعتماد الكلي على وارداتنا النفطية سيجعلنا نركب مركب الدول التي تستجدي المساعدات. لقد كانت الدولة على وعي بتداعيات تلك الاسطوانة المشروخة، وجاءت ميزانية هذه السنه «2018» لتثبت للجميع بأننا نقف على أرض ثابتة وقوية وتم الإعلان عنها بأنها من أعظم الميزانيات التي مرت على المملكة منذ تأسيسها بتقدير لمصروفات قاربت على التريليون ريال، «978» مليار ريال، وإيرادات قدرت بـ»783» مليار ريال. إنها بالفعل ميزانية عظيمة من ناحية مهمة وهي تحسن مؤشرات الأداء الاقتصادي غير النفطي، حيث انخفض الاعتماد على النفط وارتفعت الإيرادات غير النفطية بشكلٍ غير مسبوق، وسيتم تمويل ما يقارب الـ 50 % من ميزانية هذا العام من مصادر غير نفطية، فلقد كان متوسط مساهمة النفط خلال الـ 47 عاماً الماضيه بين عامي « 1969-2015 « يشكل ما نسبته 81 % من إجمالي إيرادات الدولة، وانخفاض نسبة مساهمة النفط في إيرادات الميزانية لهذه السنة يعكس تحسناً ملحوظاً في أداء النشاط الاقتصادي بشكل عام، والتحدي الذي تواجهه المملكة حالياً يتمثل في تنويع مصادر الدخل، وتحقيق كفاءة الإنفاق، وضمان الشفافية في الأداء. لقد بلغت الإيرادات غير النفطية في الميزانية ما قيمته 291 مليار ريال، نسبة كبيرة منها تقدر بـ133 مليارًا تأتي من صندوق الاستثمارات العامه وصندوق التنمية الوطني.
بدون شك يعتبر الاستثمار بتلك الصناديق خطوة حكيمة نتيجة لانخفاض درجة المخاطرة فيها وضمان العائد على الاستثمار. السؤال هنا ماذا عن الاستثمار في «توطين الصناعات» سواء المتوسطة أو الثقيلة؟ تحضرني فترة الثمانينات من القرن الماضي عندما نودي بتبني إستيراتيجية «إحلال الواردات»، وسبب عدم نجاحها كان نتيجة ظروف معينة لم تعد حاضرة الآن، ففي الوقت الحالي أصبحت الأيدي العاملة أكثر وفرة، وانخفضت عملية نقل وتبني التقنية عن السابق وارتفعت كفاءة الإجراءات الحكومية، سواء التنظيمية أو الإدارية أو القانونية، بالإضافة إلى ميزة توافر المواد الخام ورخصها لدينا. فالأماني ما زالت معلقة بخصوص توطين الصناعات لتصبح مورداً أساسياً للدولة، فالتنمية الصناعية تعتبر من أهم الإستراتيجيات لتحقيق التنمية الاقتصادية برفعها للقيمة المضافة وتخفيضها للواردات عبر دعم الصناعة الوطنية ما سيزيد أيضاً من الفرص الوظيفية ويخفض معدلات البطالة، ويدعم التكامل بين مختلف القطاعات الاقتصادية. فالآمال معقودة بتبني إستراتيجيات مستمرة ومتنوعة تحقق التنمية المستدامة وتنهي عصر الاعتماد على سلعة وحيدة متقلبة السعر وناضبة.