عبدالوهاب الفايز
في اللقاء السنوي للهيئة العليا للسياحة والتراث الوطني الأحد قبل الماضي، الذي يجمع موظفي الهيئة وقياداتها مع شركائها وداعميها.. هذا اللقاء الدائم الذي يحرص عليه الأمير سلطان بن سلمان أصبح أحد معالم ثقافة العمل التي تميزت بها الهيئة؛ إذ يستضيف كل عام متحدثًا رئيسيًّا. وهذا العام كان المتحدث وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد.
في الكلمة التي ارتجلها لمدة نصف ساعة، وكانت الكلمة الأولى الواسعة، أوضح الوزير معالم المرحلة القادمة التي يراها لقطاع الثقافة والإعلام.
لقد وضع الوزير معالم طريق واضحة لإحداث التطوير الواسع الذي يحتاج إليه هذا القطاع الحيوي؛ لكي يتحول إلى (صناعة وطنية) متطورة، تولد الوظائف والفرص الاستثمارية بالذات للشباب؛ فالثقافة والإعلام، بوصفهما جزءًا من قطاع الخدمات، مناسبان جدًّا لاستقطاب الشباب وتدريبهم وتحفيزهم على الإنتاج الإعلامي والثقافي والفني. وقطاع الإعلام لا يحتاج إلى رأسمال كبير لبدء المشروعات الصغيرة، بالذات بعد اتضاح تطبيقات صناعة المعرفة، ونجاح نموذجها التجاري، وتحرُّك صناديق رأس المال الجريء إليها. وهذا يؤكد أهمية توجُّه الوزارة الحالي.
هذا التوجه الصحيح لبناء صناعة الإعلام لن تستطيع وزارة الإعلام النجاح فيه بدون مشاركة صندوق الاستثمارات العامة ووزارة التجارة. الصندوق دوره ضروري لتوفير الاستثمارات لإطلاق شركة وطنية، تعمل في الإنتاج الدرامي والتلفزيوني، تلم شعث القطاع الذي تفكك وهاجر إلى الخارج، وأصبح في السنوات الماضية شريكًا سلبيًّا في مشروع اغتيال الشخصية الوطنية السعودية. والعقلاء أصحاب البصيرة يعرفون أية صورة نمطية سلبية قدمها الإنتاج الدرامي التلفزيوني لمجتمعنا (الرمضاني خصيصًا!!).
أيضًا دور صندوق الاستثمارات مهم لتوفير رأس المال المشارك في دعوة المستثمرين من القطاع الخاص لإنشاء شركة مساهمة وطنية كبرى للعلاقات العامة والإعلان والاتصال المؤسسي وإدارة المناسبات؛ لتكون ذراع الحكومة وبيت خبرة وطنيًّا، ينمي القدرات الوطنية البشرية والاستثمارية؛ فهذا القطاع أيضًا ضائع.. ومع الأسف السعوديون لم يستفيدوا منه رغم تلقيه سنويًّا أكثر من عشرة مليارات ريال. ورغم هذا الرقم المتحفظ لم نتمكن من بناء قاعدة إنتاجية وطنية.
وهنا نرجو أن يستطيع وزير الإعلام بناء هذا القطاع. وفي كلمته أعطى الوزير ملامح مهمة لتوجه الوزارة لتصحيح الخلل الذي أدى إلى حرمان التلفزيون السعودي من موارد الإعلان التلفزيوني؛ ما أفقدنا استثمارات كبيرة، كان بالإمكان تدويرها وتعظيم مكاسبها في منظومة الإذاعة والتلفزيون.
أيضًا في السنوات الماضية خسرنا توجيه جزء من إيراد الإعلان التلفزيوني للإنفاق على النشاط الثقافي والفني؛ فالأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون بقيت ميزانياتها بوضع مخجل، وربما ميزانية الأنشطة في أغلب الأندية لم تصل إلى تكلفة شراء مسلسل رمضاني واحد. المؤسف هو غياب الإدراك أن بناء الإعلام القوي يتحقق من خلال بناء مؤسسات إنتاج الفكر والمعرفة والآداب. وسائل الإعلام يتراجع منتجها حينما تضعف مؤسسات إنتاجات المعرفة والفكر. قوة الإعلام في الغرب يستمدها من تطور مراكز الأبحاث والدراسات وصنع السياسات.
والآن مع دخول وسائط التواصل الاجتماعي يتضح بشكل كبير أهمية مؤسسات إنتاج الثقافة والمعرفة والأبحاث لصناعة الإعلام. لقد استقر الرأي على أهمية توسع وسائل الإعلام، بالذات الصحافة، في تقديم الرأي والتحليل العميق المتميز والخاص؛ فهذا هو المحتوى الذي يباع للقارئ، ويبقيه مع الوسيلة، وينمي ولاءه.
الاهتمام بكل ما يؤدي إلى تعزيز دور الثقافة والفنون مؤشر نضج وتطور، والحضارة الإسلامية استطاعت التأثير على الشعوب بتفوق منتجها الثقافي والعلمي؛ فالثقافة التي استمدت جذورها من القرآن والسنة ومورث الخلفاء والفقهاء والشعراء والمفكرين ورجال الدولة أنتجت النظرية الأخلاقية والإنسانية الراقية في السلوك والمعاملة، وهي التي أثرت في الشعوب، وجذبتها إلى الإسلام.
الثقافة والفنون بأنواعها تهذب السلوك، وتعزز الخلق الرفيع، وتعطي التجربة الإنسانية أبعادًا متعددة، ولا تأسرها بالجانب المادي الرمزي.
وهذا ما نريده لشبابنا.. نريد جذبهم في سن مبكرة إلى الآداب والفنون والمسرح. هذا يأخذ منهم النزعة إلى العنف، وينمي الذهنية المنفتحة على الجوانب الإيجابية في الحياة، وفوق هذا يأخذهم إلى الإنتاج المعرفي الإيجابي ذي العائد المادي. أيضًا له فائدة متعدية أخرى، هي استثمار ولع الشباب وإقبالهم على التواصل الاجتماعي؛ فنسبة السعوديين المشاركين في الإعلام الجديد تضعنا في المقدمة، ولكن ما ننتجه في تويتر وما نبحث عنه في جوجل ضائع من عمرنا الحضاري؛ فلا ينتج ثروة، وربما لا يحفظ ماء الوجه!
الاهتمامات والأولويات الأساسية العديدة لوزارة الثقافة والإعلام في الحقبة القادمة، التي تحدث عنها الوزير في كلمته، مفرحة ومبشرة، وترقى إلى تحدياتنا وتطلعاتنا.. ولكن نقول بصدق: الوزارة تحتاج إلى دعم مالي، ينمي الاستثمارات النوعية.. وتحتاج دعم وزارة التجارة؛ لكي تستطيع بناء منظومة الإعلام السعودي.. فهدفنا الأكبر هو بناء صناعة، أولى ثمارها التركيز على (المنجز الوطني الإيجابي)، بالذات في حقبة تحول تاريخي كبرى للدولة السعودية.