أمل بنت فهد
حين تغيب الحرية في مكان لن يبقى مكانها شاغرًا، بل يتسع مكانها الفارغ لكل ما هو سيئ.. ولكل ما هو شر.. يتسع للبؤس.. والغضب.. والمؤامرة.. والخيانة.. والكبت.. ويبتدع فيها الشر ألف وجه ووجه.. ليسد الفراغ الذي يبلع أي شيء في طريقه.. وحدها الحرية قادرة على التمدد بداخله مهما اتسعت مخارجه.
والحقيقة إنها ليست حرية واحدة.. بل تكاد توجد في كل مكان.. من ذات الإنسان.. إلى الكون بأسره.. حرية الشعور الذي تقاومه.. حرية الفعل الذي تطارده ويطاردك.. حرية الكلمة التي تحبسها وتكبت معها مشاعر تنهش روحك.. حرية الوجود وحرية الرحيل.. حرية التنفس وحرية الاختناق دون تدخلات صديقة أو سلطوية؛ لذا فإنها في كل مكان.. تتعامل معها أينما كنت.. وكيفما كنت.. وفي تعاملك معها تنعش حياتك أو تسحقها.. تواجه أو تهرب.. وكم من هروب خفي يمارسه الإنسان ولا يدرك أنه تخلى عن حقه في الحرية؛ لذا هو يقاسي ويحمل في كل منعطف أحمالاً إضافية.
الهارب من نفسه يحاول أن لا يترك ثغرة لوقت الوحدة ليواجه حريته التي أدار ظهره لها.. وخاف منها.. رغم أنها نجاته وجنته.
الهارب من بيته يدرك أن هذا الوقت المهدر في العمل أو الترفيه وحتى السير في الشوارع دون هدى.. أنه طريق يؤدي إلى أي شيء عدا الرجوع إلى جحيمه.
الهارب لأخبار الآخرين ليس غافلاً عن أخبار محيطه.. إنما الحديث عن مشاكل الجيران أسهل من الحديث عن فشله.
حين تفهم ماذا تمنحك الحرية حتى بالتفكير.. دون اعتراضات ما كنت تعرفه.. وما قيل لك.. فإنك ستدرك أنها خلاصك من العيش ميتًا.. وحين قال الشاعر الأمريكي روبرت فروست: «تكمن الحرية في تحلي المرء بالشجاعة» لمس جوهر الحرية؛ لأنها تمنحك فرصة الاختيار الحقيقي.. وكذلك فرصة تحمل مسؤولية اختيارك.. أن تستفتي قلبك وعقلك في شؤونك.. وتفعل ما تراه مناسبًا.. شجاعًا في الإقدام.. شجاعًا في دفع الثمن.. شجاعًا في أن تعيش كما تريد.. شجاعًا في أن تواجه نفسك بحقيقتك.. بحقيقة ماهيتك.. وماذا تريد أن تكون.. وماذا تريد أن تفعل.
حقيقة أن تأخذ ما تريده.. وتترك ما لا تريده.. دون تبرير.. أو خوف.. أو تردد.