إبراهيم عبدالله العمار
من المعلومات الشائقة التي استخرجها العالم السياسي غراهام فولر في كتابه «عالَم بلا إسلام» من بطون كتب التاريخ ما هشّم به اعتقاد بعض الغربيين أن الإسلام سبب العداوة بين الغرب والمشرق الإسلامي (ما يسمَّى لدى الغربيين بالشرق الأوسط)، ويظنون أنه لولا الإسلام لكانت المنطقة تعيش بسلام، وقد دحض فولر هذا الكلام بلا رحمة، ومن الأمثلة الكثيرة التي استشهد بها ليثبت أن الغرب هم سبب المشاكل أصلاً أمة ليست عربية ولا مسلمة ومع ذلك انضمت إلى صفوف المرتابين المبغضين للغرب: الأمة اليونانية.
هذه ربما مرت عليك من قبل، فكلنا يعرف الحملات الصليبية والتي لا زالت تترك أثراً كبيراً في نفوس المسلمين، لكن أهل اليونان أيضاً يتذكرون تلك الحملات، ليس تأييداً لها وفخراً بها كما يشعر الغربيون اليوم، بل ألماً ومقتاً للغرب!
ما الذي حصل؟
لنعد إلى عام 1204م. الحملة الصليبية الرابعة. جموع نصارى الغرب اللاتينيون (طائفة الكاثوليكي) قدموا من غرب أوروبا، متجهون ليستعيدوا بيت المقدس من المسلمين كما فعلوا في الحملة الأولى التي ذبحوا فيها في يوم واحد 60 ألف ولم يفرقوا بين طفل وامرأة ورجل، ووصلوا إلى القسطنطينية عاصمة نصارى الشرق اليونانيين (طائفة الأرثذكس) وهي في طريقهم، هناك، غيروا رأيهم وهاجموا أهل المدينة.
لماذا؟ هل هابوا مواجهة المسلمين؟ هل استثقلوا المهمة البعيدة واتخذوا قراراً أسهل؟ أياً كان السبب فقد اشتغلوا قتلاً ونهباً واغتصاباً في اليونانيين. القرون السابقة شهدت انفصالات كبيرة بين نصارى الغرب الكاثوليك والشرق الأرثذكس، وتدمير القسطنطينية هو القشة الأخيرة التي قصمت العلاقات بين الحضارتين قصماً لم يلتئم بعدها أبداً، فقد صنع الغرب من الأهوال ما يُشيب الرؤوس، ويصف المؤرخ اليوناني الذي عاصر المذبحة سبايروس فريونيس بشاعة جرائم الغرب ما جعله يقول إن هجمات قبائل الفاندال والقوط الهمجية التي طالما أقضت مضاجع النصارى أهون بكثير. حتى القسيسات لم يسلمن من الاغتصاب، لم يتوقف القتل إلا لشرب الخمر والتقاط الأنفاس. ذبحوا رجال الدين في كنائسهم. دمروا الكنيسة العظمى. بل أجلسوا داعرة على كرسي القسيس الأكبر لتغني بفُحش وهم يسكرون أمامها ويضحكون.
يقول فولر: لا تلوموا الإسلام، فقد كانت الحروب الصليبية أول مرة يلتقي فيها الغرب بالشرق الأوسط، وكان الغرب معتدياً. بل حتى نصارى الشرق لم يَسلموا كما رأينا هنا، ولا زال تدمير القسطنطينية جرحاً غائراً في نفوس اليونانيين بعد أكثر من 800 سنة.