عبده الأسمري
وصف الله عز وجل في القرآن الكريم.. أن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا.. لذا كان وسيظل الحكماء هم الناجحون والفالحون وسادة المجالس وكبار القوم إذا ما ارتهنت الأمور للمشورة.
الحكمة هبة ربانية ونعمة إلهية لا تقدر بثمن وهي صفة الله التي وضع شيئًا منها في خلقه ممن خصهم بها وهي الأعظم ومنها ما يكتسبه الإنسان من أصحابها بحكم ملازمتهم لهم أو من تجارب وظروف الحياة الحكمة لا تدرس في المدارس ولا تنال فيها الشهادات العليا. وفي التاريخ ظهر العديد من الحكماء الذين لا تزال حكمهم تملأ فراغات التفاهة وترهات السخافة التي تعج بها الحياة أحيانًا ومجتمعاتها المنغمسة في متاهات الفراغ.. هنالك من يتعلم من يحافظ على مكنون كلماتهم وإعجاز مدلولاتهم وإنجاز رؤيتهم..
بين الحكماء المغمور وفيهم المشهور ومنهم المهمش قد يتوارى أحدهم في قرية صغيرة أو آخر يظل مختبئًا بين أمهات الكتب في منزله منعزلاً عن سخف الخارج أو واقفًا يروج لحكمته بين من يقدرها في متجره أو معمله أو موقع عمله أو مسنًا يتوكأ عصاه ألهمته التجارب روحًا أو مثقفًا قرر أن تكون حكمته إنتاجًا أدبيًا ينبع منه اللاهثون وراء المعرفة الباحثون عن ضالة العلم المتشبثون بأعماق الفلسفة، أو مسؤولاً امتهن التطوير والتجديد.
الحكمة أصل من أصول العبقرية فيها وصل العلماء إلى أعلى درجات الابتكار والاختراع ومنها انطلقت نظريات أسست للعالم أجمع منهجيات في الحياة والعلم. وفي محيطاتها وضعت قواعد السلوك القويم وآفاق الحياة.
سؤالي ما دور الحكماء في مجتمعنا؟.. أين هم؟.. أين يقبعون؟.. كيف نميزهم؟.. هل رأينا من يوصف أحدًا لدينا بالحكيم؟!!.. أم أنهم غير موجودين.. أم يتوارون عن الأنظار أم أن المشاهد الرسمية تتجاهل أدوارهم.. لماذا لا يكون لدينا مجالس أو جمعيات أو دور ترعى الحكماء.. أم أن الأدمغة الموجودة لا تصل إلى مستوى «الحكيم».. أم أن الوصف «صعب الإطلاق»..
كل ذلك يبقى استفسارات وتساؤلات ولكن وإن غاب اللقب والوصف عن سادته أرى أن تكون الحكمة ظاهرة جلية لأنها أعلى معدلات الذكاء وأسمى مستويات الفطنة. نريد حكماء حقيقيين في صياغة الخطط المستقبلية وآخرين يصنعون الابتكار في كل المحافل..
نريد خطب جمعة بمنهج الحكمة توجه الناس باختصار وتطرح الحلول باقتدار، نحتاج الحكمة في تطوير مناهج الدراسة لننقل أجيالنا من التلقين إلى الابتكار.. نتطلع إلى أكاديميين بصفات حكماء يحولون مراكز البحوث بالجامعات إلى مواقع اختراع.. نحتاج الحكمة في منصات الندوات حتى تتحول إلى مناهج في الطرح وإبداع في الحل..
نحتاج إلى حكماء في دوائر صناعة القرار حتى يدعمون الأهداف ببعد نظرهم ويضمنون الدراسات بحنكتهم ويرصدون الواقع والمستقبل بذكائهم ويوظفون المعطيات ببصيرتهم.
الحكمة هي الأداة التي تصنع الفارق وتضع الفرق جليًا في كل تطور مجتمعي وتنمية اجتماعية ونماء فكري وعطاء حكومي..
الحكمة إنتاج عقلي ونتاج ذهني إذا ما وجدت حضر معها «التفوق» وسيطر بها «الانفراد» لذا ننتظر أن يكون بين المسؤولين لدينا والمفكرين والمثقفين وأصحاب المشاريع من يرتدي حلة «الحكمة» عندها سنرى «الامتياز» عنوانًا والإنجاز نتيجة.. وإن لم يكن بينهم حكماء فليتم البحث عنهم ومنحهم مساحات «التفكير» وساحات «الرأي» وصناعة «التحول الحقيقي للإنسان والمجتمع».