أ.د.عثمان بن صالح العامر
من بين أسباب الاختلاف المذهبي والفقهي والفكري في عالمنا الإسلامي الذي ولد الصراع الدموي قديمه وحديثه اختلاف الأفهام وتباين الألفاظ، وعدم وضوح الدلالات في ذهنية الخاصة فضلاً عن الأتباع، ولذلك كان لزاماً على كل عالم انبرى للتدريس أو التأليف، أو فَقِيه بلغ مرحلة الاجتهاد، أو باحث أكاديمي مختص في العلوم الشرعية أو محدث أو واعظ أو خطيب أو مفتٍ أو مفكر أن يبدأ عمله العلمي - الذي انبرى له - محدداً دلالة مصطلحاته التي بين يديه بدقة متناهية، ولغة بسيطة ميسرة، حتى لا يلتبس الأمر على القارئ أو السامع سواء في زمنه الذي هو فيه أو الأزمنة القادمة، مثل ذلك المكان والحال فقد يكون للفظ ما دلالة في المشرق الإسلامي ليست معروفة لدى فقهاء وعلماء المغرب وعلى ذلك قِس. ولذا فإن مشروع معجم مصطلحات العلوم الشرعية الذي نفذه فريق متخصص من الباحثين في الجامعات السعودية تحت إشراف وكالة الوزارة لشئون المطبوعات والبحث العلمي وبتمويل من المدينة ممثلة في الإدارة العامة لمنح البحوث، ودشنه في غضون الأيام القليلة الماضية معالي وزير الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد فضيلة الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ورئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية صاحب السمو الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد آل سعود يعتبر مشروعاً نوعياً بامتياز، إذ إن ضبط المصطلحات وتحديد الدلالات وشرح المفاهيم ليس من الأمور الهينة الميسرة، خاصة :
* ما كان منها يحمل معاني متعددة تختلف باختلاف التخصصات الفرعية داخل علم الشريعة.
* أو أنه لفظ ضبابي مراوغ يصعب ضبطه برؤية علمية رصينة.
* أو أنه ذو دلالات متعددة تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والمدارس والتيارات، بل الأشخاص.
* أو أنه نعت لمذهب فكري معاصر ذي حمولة غربية صرفة، اختلفت حوله القراءات باختلاف المرجعيات والمواقف.
يعرف هذا جيداً الباحثون المختصون والأكاديميون المتهمون بعلم الدلالات وأبحاث المعاني، ولذا كان هذا المنجز العلمي المهم محل ترحيب واسع داخل أروقة الجامعات وفي المجامع العلمية ومراكز الأبحاث المتخصصة.
إننا نعاني اليوم صراحة من هذه الإشكالية المتجذرة في تاريخ أمتنا الإسلامية، ولعل أقرب مثال الصدامية التي يلحظها المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي حيال مصطلحات معينة تندرج في حقل العلوم الشرعية خاصة العقدية منها، ولذا لعل هذا المشروع وأمثاله يختصر المسافات، ويقرب وجهات النظر، ويضبط المواقف الشخصية للمثقفين والمغردين على أساس علمي موثق يمكن الرجوع له وجعله محكماً حين الخلاف، وأحسنت وزارة الشئون الإسلامية والفريق القائم على المشروع أن أطلق نسخة إلكترونية سهل الوصول إليها والتعامل معها، وحق على كل واحد منا وصلت له هذه النسخة من المشروع أن ينشر هذا المنجز العلمي ويوصله إلى أكبر شريحة ممكنة، لعل الله أن ينفع به ويكون سبباً مباركاً في مراجعة البعض منا لمواقفهم المسبقة إزاء مصطلح ما بسبب عدم درايتهم المتيقنة من دلالة المصطلح الحقيقية الصحيحة.
شكراً لمن فكر وأبدع، شكراً لمن أصل وفرّع، شكرًا لمن تبنى المشروع وموله، دعمه ودشنه، والشكر كل الشكر لبلادنا المباركة التي كانت وما زالت وستظل منارة علم ومشعل نور وبوابة معرفة وبناء، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.