د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
تواكب الخطط الاقتصادية عادةً خططًا تعليمية ترفع من جدوى تنفيذ هذه الخطط وتزود المخططين بالخبرات البشرية اللازمة. والتعليم يخلق القيمة المضافة للقدرات البشرية بحيث يرفع من إنتاجيتها وقيمتها. ولذا نجد المدارس الجيدة والجامعات المنتجة في كل دولة بها اقتصاد متطور. وقد ركزت دول كثيرة مثل كوريا والهند على تطوير قدراتها الذاتية العلمية ونهضت وتقدمت على دول أخرى سبقتها زمنيًا. ونحن من أعلى الدول صرفًا على التعليم ولكننا نحتاج إلى المزيد من التخطيط والعمل والتطوير لنحصل على المساهمة المتوخاة من التعليم في النهوض بالاقتصاد.
ومن المهام الأساسية للتخطيط رسم خارطة طريق مساهمة التعليم في الاقتصاد، وتوجيه الاقتصاد نحو الاحتياجات المستقبلية التي يتوقع المخططون أن تحقق النتائج المرجوة للمجتمع. ومن أكثر الأخطاء التي ترتكب في التخطيط الاقتصادي في الدول النامية عدم القدرة على خلق ارتباط وثيق بين النظم التعليمية والنظم الاقتصادية، بحيث تتباعد المسافات بينهما فلا يستفيد الاقتصاد من التعليم ولا التعليم من الاقتصاد. و تحكم النمو الاقتصادي في أيامنا هذه عوامل عدة إضافة إلى أمور العرض والطلب، ومن أهمها: المرونة، وسرعة التكيف والقدرة على الابتكار. وهذه العوامل جميعها تعتمد على البحث العلمي والتقدم التقني. وقصب السبق دائمًا لمن يدخل السوق أولاً.
ورؤية المملكة 2030م هي رؤية اقتصادية وتنموية في توجهاتها وتحتاج إلى الكثير من التخطيط الدقيق، وهي لا يمكن أن تستغني عن تطوير التعليم من حيث الشكل والمحتوى. ويرى كثير من المختصين أنه من الصعب تحقيق رؤية طموحة مثل رؤية المملكة 2030م بمعطيات التعليم والتخطيط الحالية. ونحن سمعنا الكثير عن أهداف الرؤية وطموحاتها، ولم نسمع عن رؤى واضحة للتعليم تواكب تحقيق هذه الرؤية. وما زالت نظمنا التعليمية تقليدية من حيث الشكل والمضمون، تعتمد التلقين أسلوبًا ومواد تجاوزها الزمن مضموننًا. ولا بد لنا إذا ما أردنا أن نتطور اقتصاديًا واجتماعيًا أن نبدأ من التعليم. فالتعليم هو المحرك للمجتمعات، ونحن لن نعيد اختراع العجلة. كما أن الحديث عن التخطيط للتعليم يجب أن يتجاوز المفاهيم البراقة الضبابية مثل الإبداع والابتكار ومجتمع المعرفة. فهذه جميعها منتجات تعليمية تحتاج للكثير من الصبر والعمل للوصول لها. ما نطمح له هو خطط علمية واضحة تقودنا لتحقيق مثل هذه الأهداف التي تعود على مفاهيم لا يمكن قياس مدى تحققها.
والتعليم من أكثر أمور التخطيط حاجة للواقعية ولا بد أن تكون أهدافه واضحة ومصاغة بلغة علمية دقيقة تبتعد عن العموميات والمثاليات. كما أنه يفترض أن تكون أهداف التعليم مرتبطة بخطط تنموية واقعية تكون واضحة وقابلة للتحقيق. دون ذلك سنستمر في نسخ خططنا الجامعية من جامعة لأخرى ونكرر التجارب والأخطاء ذاتها. وهنا لا بد من تحرير التعليم من بيروقراطية اللجان والمجالس المتراكمة التي تعيق تطوره، ويمكن استبدالها بآليات رقابة ومحاسبة أكثر مرونة. ولا بد من نظام للمتابعة والتقييم والمحاسبة لكل مشاريع التعليم.
فمدارسنا اليوم، وكذلك جامعاتنا نسخ من بعضها البعض الآخر بحيث نحرم من قيم التنوع والتمايز. كما أنها تخضع للبيروقراطية ذاتها التي وضعت أسسها قبل أربعة عقود. وغالبًا ما يطال التحديث الشكل فقط ولا يطال القيود البروقرطية التي تفقد جامعاتنا الكثير من فرص التطور. فتغيير منهج دراسي واحد في أي من جامعاتنا، على سبيل المثال، يحتاج لموافقات مجلس كثيرة لا علاقة لها بتخصص الأقسام، وهذا عادة يحتاج إلى مدد طويلة يجعل ملاحقة التطورات السريعة في المجالات العلمية الدقيقة مهمة شبه مستحيلة، فكيف لنا في أنظمة كهذه أن نحقق الابتكار والإبداع ونصل لمجتمع المعرفة؟ فتغيير مقرر واحد يحتاج إلى عامين دراسيين.
كما أن مفهوم التعليم العالي تغير بشكل جذري في معظم جامعات العالم وتحول من مفهوم التخصص الواحد، إلى مفهوم التخصصات المتداخلة التي تتشارك فيها أقسام مختلفة. فبرنامج الذكاء الصناعي مثلاً تتداخل في تدريسه أقسام علم النفس الإدراكي، وعلوم البرمجة والروبوتات، ومجال الذكاء الصناعي إن كان صناعة، أو تسويق، أو إعلام إلخ. وهذا يسهم كثيراً في تقليص كلفة التعليم وتحسين نوعية مخرجاته. كما أنه يسهم في الاستفادة الكبرى من إمكانات الجامعات، وفي تقارب أعضاء هيئة التدريس في الجامعة. ولكن تعليمنا الجامعي في بعض جوانبه لا يزال وللأسف تقليديًا يعتمد خططًا بها كثير من الحشو، ويفتقد التركيز، والتحديث المطلوبين. والخيار اليوم مطروح أمامنا بين تعليم ناجع يقدم للبلاد والاقتصاد أكثر مما يأخذ، أو العكس من ذلك تعليم يهدر الموارد ويخرج حملة شهادات فقط يكونون عالة على المجتمع.