«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
في الشتاء لليل طعم آخر إذا جاز التعبير. وفي الشتاء الليل عادة يطول ويمتد مع امتداد السهر مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء والمعارف. أكان ذلك في داخل مجالس البيوت أو في الخيام التي زحفت لداخل الفلل والقصور لتحتل مكاناً بارزاً بجانب الحديقة أو حتى في السطوح. وكذلك في الاستراحات والمخيمات. وخلال عطلة نهاية الأسبوع وحول موقد النار في استراحة أحد الأحبة كانت سهرة شتائية أو شتويه كما يطيب للبعض تسميتها؛ وكانت ليلة لا تنسى. شتاؤنا له ذكرياته.. بين ذاكرة الماضي الجميل ودائماً هو جميل لدي الكبار في العمر، على الرغم من أن ذلك الماضي فيه ما فيه من تعب وعمل قد يتواصل لساعات طلباً للقمة العيش ومع هذا يذكرون أيام الماضي وحتى لياليه بالخير ويصفونه بالجمال ربما لاتباطه بمواقف رومانسة وحياة الوالدين؛ والتمتع بصحة الشباب بعيداً عن أمراض الشيخوخة وكثرة الالتزامات التي ترافق الكبار مع تعدد المسؤوليات والالتزامات الحياتية المختلفة. ومع أن ليل الشتاء يقتات على الذكريات والأحاديث وتبادل الحكايات وتأتي قصائد الشعر الفصيح والشعبي على صوت تكسر القضا وتطاير شرار الجمر وصوت فرك البعض ليديه طلباً للدفء، إلا أن الجميع مستمتعون باحتساء أكواب حليب الجنزبيل المشيع بالزعفران التي تحاول رائحته مقاومة رائحة وعبير الجنزبيل وطعمه المميز.. والجميل أن السهر في ليل الشتاء ومعك من تحب فكيف عندما تجد معك من يحفظ الكثير من الشعر أو يسمعك أغنية عذبة عن الليل، حيث تطير بك وبالمكان لتحلق بك بعيداً مع كلماتها وأنغامها:
ليليه بترجع ياليل
وبسأل عناس
وبتسقيهن ياهليل
كل واحد من كاس
ولكن كانت كؤوسنا (مشبعة بالحليب والجنزبيل ياليل) والأجمل معك من أنعم الله عليه بحفظ القرآن الكريم وراح يذكر الليل بالخير وكيف ورد ذكره في القرآن في العديد من السور والآيات الكريمة. ولقد ورد لفظ الليل زهاء خمسين مرة في آيات القرآن الكريم وهي موزعة ما بين اعتبار الليل آية من أيات الخلق أو موضعاً للقسم. [وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى]«الضحى 1-3»، [وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} «التكوين 17-18] إلخ.. والليل قبل وبعد حياة وعمل وفعل.. فهناك من يعمل في الليل، فهذه طبيعة عمله بل حياته العملية ولقمة عيشه يكسبها في الليل، في الوقت الذي هناك من يدفن جسده داخل اللحاف وهو ينعم بالدفء وما أروع الدفء تحت اللحاف في ليل الشتاء البارد.. وفي الحياة المعاصرة ومع وجود الكهرباء في كل مكان بالعالم بات الليل والحياة والعمل فيه يدر على شعوب العالم المال.. فكثير من الأسواق والمصانع والمطاعم وأماكن الترفيه من نوادي ليلية وقاعات سينما ومسارح تواصل عملها ليلاً، والمشاهد الليل الخلابة المضيئة بالأنوار تنشر الفرح والبهجة لعشاق الليل والسهر. وفي الليل يطيب السهر للعمل خصوصاً أصحاب الإبداع الأدبي والشعري والتشكيلي فهم عادة يعشقون الليل لمواصلة العملية الإبداعية من كتابة أو لتأليف قصيدة أو حتى لرسم لوحه.. وكم دندن الملحنون ليلاً لتأليف لحنا تشدو به حنجرة مبدعة بعد ذلك. وفي اليل وعلى الأخص في الأجواء الباردة يلبس الشتاء معطفه الصوفي مثله مثل رجال الأمن والدوريات الذين يحافظون على الأمن. ليستمر إيقاع الحياة الليلية بهدوء وسكينه واستقرار.