عبد الله باخشوين
.. فتحت الباب بعصبية وصرخت فيها:
- حسبي الله عليكي.. إذا كان حتى يوم الإجازة ما نرتاح من شرِّك.
كانت تقف أمام الباب المقابل في ثوبها المنزلي وشعرها منكوش وفي يدها عصا والأطفال يتصايحون.. نسخة طبق الأصل من إبليس.
صرخت وهي تلوح بالعصا:
- أدخل استر نفسك انته وعصاقيلك.
كنت ارتدي فلينة نص كم وسروال إلى الركبة.
قلت:
- أعوذ بالله من طختك التي تخوف حتى العفاريت فين زوجك.
قالت مهددة:
- خلي الرجال نايم في حاله وامسك عيالك
قلت:
- يعني هو نايم ومسلطك علينا.. تقلقي راحتنا كل يوم جمعة.
كان الممر بين الشقتين في حالة فوضى شديدة بعد أن كوم فيه الأطفال كل ما في داخل الشقتين من ألعاب.. وصوت بكائهم.. يعلو.. ثم خفتت أصواتهم وعادوا للعب.. كأن شيئاً لم يحدث.
صرخت فيها: والله لو ما تصحي الثور اللي جوه لا أكسر على رأسك هذه العصا اللي في يدك.
لوحت بها وقالت: هيا تعال وريني إن كنت رجال
قلت: رجال.. أنا رجال.. انتي أرجل مني روحي شوفي شكلك في المراية.
قالت مهددة: أيا قليل الحيا.. فين الست هانم ما خليتها تطلع توريني وجهها.. كنك رجال أزهمها ولا مخليها نايمة ومفلتة عيالها علينا.
وبين باب البيتين كان الأولاد يتراكضون من هنا لهناك غير عابئين بما يدور.. فقد بدا الأمر كأنه طقس فلكلوري يتم كل يوم جمعة.
صحيح انني لكزت زوجتي بعصبية عندما سمعت بكاء الأولاد.. إلا أنها لم تتحرك واكتفت بالقول:
- أنا أخاف منها.. قم لها أنت.
وعندما ازداد بكاء الأولاد.. قمت.. وأنا أسمع صوتها يهدد ويبربر على أولادي وأولادها معاً.
أخذت أبربر ((خافي الله فينا يا ملعونة.. آه لو زوجك يطلعلي كان مدسته)).
نظرت فيما حولي بين باب الشقتين والدرج الصاعد والنازل.. والأطفال يضحكون في لعبهم.. كان الوقت مبكراً جداً على الاستيقاظ في يوم الإجازة.. صرخت فيها:
- وكمان مديرة مدرسة إذا انتي مبهدلة عيالي ومبهدلة عيشتي.. أجل اش مسويه في عيال عباد الله المساكين والله.. يوم الأحد أروح اشتكي على إدارة التعليم.
لوحت بالعصا ومضت تقول :
- هذي العصاية للجن اللي يخلفوهم الهمج اللي زيك.
لا أدري كم من السنوات مضت على جيرتنا.. ولا كم من السنوات مضت ونحن نتصارع بأصواتنا كل يومين في الأسبوع.. دون أن تهمد.. ودون أن أتعظ أو أطنش أو أستسلم.
أقول الحكاية تصلح قصة.. وتحتاج الكتابة بمزاج ولا تصلح لزاوية صحفية.. لكن هذه البداية جاءت بفعل حيرتي في الكتابة.. لأن المناسبات كثيرة.. بيعة ملك.. وميزانية وطن.. وحساب مواطن.. وصاروخ إيراني ضال.. و... و...
قلت لنفسي يا ولد خلينا نروق شويه نكتب شيء زي القصة.. يمكن يكون أحسن.. لأن أصدقائي وأساتذتي الكتاب من هم أقدر مني لم يتركوا لي ما يمكن أن يقال عن قضايا الوطن الهامة والساخنة.