د. خيرية السقاف
يميل الإنسان دوماً إلى ما يُجمِّله..
فينتقي الأجمل فيما يلبسه, وبما يتزين به, وما يعطِّره..
وكل ما يضفي عليه مسحة من لون يشرق, وبهاء يندي..
يحرص أن يكون مرتّباً في هيئته من رأسه حتى أخمص قدميه, حتى الشعر في رأسه يذهب به إلى من يصففه, يختار له أحلى القصات, وكيفما يبديه باهي الطَّلة, جاذب الانتباه..
هو ذا الإنسان, ميّالٌ للجمال, شغوفٌ به, ومحبٌ له, لذا يتجمَّل بغية الاكتساء بهذا الجمال..
وهو لا يقف عند هذا الحد في سطوع رغباته في التَّجمُّــل, بل يتابع أية زيادة في وزنه, فيركض للنوادي الرياضية, ولمختصي التغذية, وكثيراً ما يرتاد عيادات التجميل, تلك التي لم تقتصر في معطياتها التي تقدمها لجسده عند العناية ببشرته, وبشعره, بل تمد أدواتها إلى تغيير معالم أنفه, وفمه, وعينيه, ومسحات العمر, ولمساته فيه, ولم تقتصر فامتدت إلى إطالة قامته, ونحت أطرافه, واجتثاث دهونه المتراكمة, ونفخ شفتيه النحيلتين, وسواها, بل تخلّص من بعض عظامه لرسم هيكله البشري كيف يجعله طيفاً يتحرك كالغزال, يمشي كالطاووس!!..
كل هذا الإيغال في الميل إلى التجمُّل في الناس لا غضاضة فيه ما لم يشوِّه ما خلق الله فيهم, وصورهم عليه.. إذ إنّ لمسات التجميل حَرِيّةٌ بأن تكون كماء الورد, وزخات الندى, وندف الثلج, ونسائم الفجر, بل كأصوات العصافير, وألوان الطيف, وقصيدة الشاعر, وانسياب الموج في مدى النظر, وترانيم الأوتار في فضاءات التأمُّل, وحداء القوافل في الليالي البدرية .., بل كأنفاس الراحة, ونهدة الفرحة !!..
في الجانب الآخر المرء ليس جسداً يتحرك, ولا صورة في الأنظار..
فهذا الهيكل الخارجي له, إن لم يُعْنَ بجماله الداخلي على نحو يماثل بل يزيد فهو هالك في القبح!!..
إذ بينما الظاهر من الإنسان هو هيكل رباني اختير له شكله طولاً, ولوناً وتقاطيع, فإنّ ما في باطنه هو من يختار كيفيتيه , ومحتواه, وما يكون عليه, وهو الباقي الوارث منه, وهو المؤثر القائم عنه, بينما هيكله الخارجي المشغول به فانٍ لن يدوم..
فلأي العيادات, والنوادي, والمراكز يحتاج الإنسان لتجميل باطنه؟!..
فجمال حسِّه, وخُلُقه, وضميره, ونيَّته, ومقاصده, وأفكاره, وقناعاته, وآرائه, ومعاملاته مع الآخر المتحرك معه على الأرض, هي الجمال الأبقى الذي لن تصله يد الزمن, وليس له أجل يُطوى!!..
فما المضامير التي تؤول به لمراتع الجمال فيه, وتأخذه لمساقات الجمال في أعاليه..؟
فكم من الجميلين ظاهراً, المتجمّلين مظهراً, الذين يدلقون قبحاً في الطرق التي يمرون بها, ويشيعون فيها العتمة, والأسف؟!..
حتى وهم يتجهون لمشرط الجراح, أو لمسة المصفف, وسواهما لمزيد لمعة, وبارقة, ولون ؟!