د. أحمد الفراج
لا شك أنّ ما حصل في أروقة الأمم المتحدة خلال الأيام الماضية كان تاريخياً وغير مسبوق، فلم تَعُد هذه المنظمة هي ذاتها، التي رأستها شخصيات سياسية من عيار ثقيل، مثل السويدي، دوق همرشيلد، والنمساوي كورت فالدهايم، فقد أخذ دور هذه المنظمة يتلاشى مع مرور السنين، تحت سطوة رغبات القوى العظمى، ولا يمكن أن ينسى المتابع ما دار في أروقتها، قبيل غزو العراق، في عام 2003، عندما حاولت فرنسا عقلنة رغبات إدارة بوش الابن، حتى لا تصبح الأمم المتحدة أداة لشرعنة مخططات القوى الكبرى، ولكنها فشلت، عندما تجاوزتها إدارة الرئيس بوش الابن، وهاجمت العراق واحتلته، واتضح بعد ذلك أن كل ما قدمته أمريكا في الأمم المتحدة من وثائق، خصوصاُ شهادة الجنرال كولن باول، وزير الخارجية حينها، كان مزوراُ، وهو الأمر الذي كانت تعرفه معظم الدول على أي حال!.
إنّ ما حصل مؤخراً في الأمم المتحدة يهدد بتقويض هذه المنظمة العريقة، فقد تحولت مندوبة الولايات المتحدة، الأمريكية من أصل هندي، نيكي هيلي، إلى دكتاتور يملي على الدول الأعضاء ما يتوجب عليها فعله، ومنها دول عظمى مثل الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، لا يمكن أن تقبل ذلك بأي حال، واتضح لاحقاً أن تهديد السيدة هيلي جاء برد فعل عكسي، فقد صوتت معظم الدول مع القرار الذي يدين اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولم يصوت ضد القرار إلاّ تسع دول، بعضها سمعنا باسمها للمرة الأولى، ولا تكاد ترى على الخارطة، وحتى الدول التي امتنعت عن التصويت لم تفعل ذلك خوفاً من تهديدات هيلي، بل لحساباتها الخاصة، التي تتعلق بعلاقتها بإسرائيل، ولم تكتف هيلي بالتهديد قبل التصويت، بل ذهبت لما هو أبعد من ذلك!.
كانت هيلي قد هددت الدول الأعضاء، قبل التصويت على مشروع القرار، الذي تقدمت به المجموعة العربية والإسلامية، وهو الأمر الذي لاقى استهجاناً واسعاً داخل أمريكا وحول العالم، ثم بعد التصويت، قدمت السفيرة هيلي دعوة لمندوبي الدول التي صوتت ضد القرار، وتلك التي امتنعت عن التصويت، وذلك لحضور حفل كبير، تقيمه لشكر هذه الدول على وقوفها مع أمريكا، وهذا أمر جديد في العلاقات الدولية، ويحدث للمرة الأولى في الأمم المتحدة، وقد ضجت وسائل الإعلام العالمية، وسخرت من سلوك هيلي، إذ كيف تكون أمريكا هي زعيمة العالم الحر، وحاملة لواء العدالة حول العالم، ثم تتصرف بدكتاتورية مع دول مستقلة، وتحاول إجبارها على عدم مخالفة ما تريده، ويتوقع المراقبون أن تكون هناك تداعيات مستقبلية لما حدث، لأنّ استمراره قد يقوض دور الأمم المتحدة مستقبلاً، وسننتظر تلك التداعيات، ودورها في مستقبل هذه المنظمة العالمية، التي كانت، يوماً ما، صرحاً يديره سياسي من طراز رفيع، مثل كورت فالدهايم، فلننتظر ونرى!.