علي الصراف
هناك الكثير مما يبرر الاعتقاد، بأن معظم جوانب الكارثة التي حاقت بالمنطقة، جاء بسبب وجود نظام الولي السفيه. أنظر في تتابع الأحداث والمنقلبات، منذ الحرب العراقية الإيرانية، وسترى أنها متصلة بحبل واحد. وما لم نتمكن من أن نقطع هذا الحبل، فإنه سوف يدفع بنا إلى المزيد. فقط أنظر إلى الملايين من البشر الذين أهدرت دماؤهم. أنظر إلى الملايين ممن تحطمت حياتهم، أو ممن يخضعون إلى يومنا هذا لأعمال القتل والتشريد والاعتقال والتعذيب الجماعي. وفقط أنظر إلى التكاليف المروعة، ليس فحسب التي دفعها العراق وسوريا واليمن ولبنان من جراء تدخلات طهران وأعمال مليشياتها، بل التي دفعتها شعوب إيران نفسها أيضاً.
وما يزال قادة هذا النظام يعتقدون أنهم حققوا «انتصارات» (على جثث كل ذلك الكم الهائل من البشر). وهي «انتصارات» خراب وتخريب استخدمت فيها أقذر الوسائل وأكثرها ظلماً ووحشية.
الطبيعة المليشياوية لتدخلات إيران، لم تكتف بتمزيق شعوب هذه الدول، على أسس طائفية، ولكنها حولتها إلى دول فاشلة ترزح تحت كل أنماط الفساد والعجز والتردي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
إنها «انتصارات»، يكاد لا يستطيع حتى الشيطان أن يفخر بها. ولكنهم يرون فيها مكسباً إستراتيجيا لمشروعهم الدموي. وهو ذاته المشروع الصفوي القديم، الذي اتخذ من التشيع، ستاراً لارتكاب المجازر في الجوار. وهو ما عاد ليتجدد تحت سلطة الولي السفيه، بالصورة نفسها، بل وبالأدوات نفسها أيضاً.
تقول بعض سطور التاريخ أن الصفويين الذين حكموا بلاد فارس، في السنوات 1501-1785م، سيطروا على بغداد في عام 1509 بقيادة الشاه إسماعيل الصفوي، فعاث فيها قتلاً وتدميراً حتى أخضع أهلها بالنار والحديد، إلى أن انتزعها العثمانيون عام 1535. ولكن الحقد ظل يغلي في صدور الصفويين الذين عادوا ليسيطروا على بغداد عام 1624م، ولمدة 15 عاماً ارتكبوا فيها من المجازر والأعمال الوحشية ما يندى له جبين التاريخ برمته.
وتذكر تلك السطور أن قوات الدولة الصفوية بقيادة الشاه عباس الصفوي ارتكبت في يوم واحد (14 كانون الثاني 1624) مجزرة في أهالي بغداد ذهب ضحيتها عدة آلاف ونهبت ممتلكاتهم بعد حصار للمدينة دام ثلاثة أشهر. وكانت غالبية قوات الشاه تتكون من (الغلمان) الذين كانوا بمثابة فرقة جديدة تناظر قوات الإنكشارية العثمانية، وكان ولاؤهم للشاه فقط. وكان الشاه عباس يهدف إلى تحويل بغداد مدينة شيعية ليسهل حكمها، كما أمر بهدم مساجد المسلمين من أهل السنة وأهانتها وجعلها مزابل كما فعل مع جامع الإمام أبو حنيفة النعمان.
فهل تذكر حصار الفلوجة؟ أم تذكر حصار الرمادي؟ أم تذكر أعمال الترويع في العديد من الأحياء السنية في بغداد نفسها؟.
و«الانتصارات» التي تحققت في العراق، هي نفسها ما تحقق في سوريا التي أبادوا فيها (مع غلمانهم) أكثر 500 ألف إنسان، وقتلوا تحت التعذيب أكثر من 250 ألفاً غيرهم، وشردوا 12 مليوناً.. ويا له من عار مديد، لا يستطيع حتى الشيطان أن يدّعيه.
ولكن، هذا هو الحاضر، وذاك هو التاريخ. وهم يتفاخرون به بوقاحة لا نظير لها.. وهو حبل واحد، لمشروع واحد، ولمجرمين تناسلوا على حقد واحد، وما كفوا ولن يكفوا حتى يقف لهم شعبهم الذبيح، فيقطعهم ويقطعه.