إبراهيم عبدالله العمار
في السبعينات الميلادية صنعتْ وكالة إعلامية استبياناً سألت فيه آلاف الأمريكان عن أكبر مخاوفهم، وجمعوا الإجابات فكانت كالتالي: (1) الإلقاء أمام جمهور (2) المرتفعات (3) الحشرات (4) مشكلات مالية (5) مياه عميقة (6) المرض (7) الموت. يقول الفكاهي الشهير جيري ساينفلد باستغراب: «الناس يخافون الإلقاء أكثر من الموت! هذا يعني أن أكثر الناس إذا حضر مأتماً فهو يفضل أن يكون داخل التابوت على أن يلقي كلمة التأبين!»
كان ذلك شيئاً مفاجئاً للكثير من الناس، أي كون الخطابة أخوَف من الوفاة، لكن الحقيقة أن الاستبيان مليء بالأخطاء ولا وزن له، منها أنه كان مجرد طلب مفتوح أن يعدد الشخص كل ما يخاف منه، ومنها أننا لا نعرف نوعية الشريحة المستبانة، ومن الطبيعي أن يذكر الناس أشياء معينة محسوسة تحصل لهم كثيراً (مثل الكلام أمام الناس وديون) أكثر من مفاهيم تجريدية كالموت، لذلك الاستبيان مضلِّل، لكنه يلقي الضوء على نقطة لا شك فيها: كل الناس يخشون الكلام أمام الغير.
لا تغتر بمشهد ستيف جوبز أو ستيفن كولبير أو خطيب الجمعة وهم يتحدثون بثقة وقيادية وكأنهم ولدوا بجينات الخطابة. الأداء يدعمه التدرب المستمر والمبادئ السليمة، لكن في داخلهم كلهم لديهم توتر. أضمن ذلك هذا. والذي يجعلني واثقاً هو أن أبرع وأفضل المتحدثين اعترفوا بذلك على مر التاريخ. عبدالملك بن مروان سُئل عن سبب شيبه المبكر فقال: كيف لا وأنا أعرض عقلي على الناس كل جمعة؟ يقصد الخطبة الأسبوعية. هل تظنه وحده؟ الأديب الأمريكي الشهير مارك توين كان مصدر دخله الأساسي الخطابة وليس الأدب، قال: هناك نوعان من الخطباء: المتوتر، والكاذب. يقصد أن من يزعم أنه لا يتوتر إذا تحدث أمام الناس فهو كاذب. إلفس بريسلي رغم عدد ضخم من الحفلات قال إنه لم يتغلب أبداً على رهبة المسرح. الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون هاب الخطابة لدرجة أنه أوكل لغيره الكلمة السنوية التي يجب أن يلقيها كل رئيس أمريكي. جورج واشنطن أيضاً لم يحب أن يلقي. مغني فرقة U2 بونو أدّى آلاف الحفلات الغنائية ومع ذلك يتوتر في كل منها. تشيرشل، جون كينيدي، مارغريت ثاتشر، جوني كارسون، أرسطو، إسحاق نيوتن، جاك ولش، كلهم خشوا الكلام أمام الناس وبعضهم كان لديهم تأتأة.
أكثر ما سينفعك الممارسة والتدريب، لكن لا تعتقد أن التوتر سيزول تماماً، واطمئن، فهذا هو الطبيعي.