في حياة الأمم أيام خالدة تشكل علامة فارقة في تاريخها وتشكل مصدر فخرها واعتزازها، كما أن في مسيرتها شخصيات يظل عطاؤها التاريخي والإنساني ومواقفها العظيمة، التي تجعل من أمن وسلامة بلادنا ورفاهية ورخاء مواطنيها همها الأول، مطبوعا في ذاكرة شعوبها ووجدان مواطنيها بأحرف من نور، لما أضافته تلك الأيام إلى سجلات بلادها من الأمجاد والبطولات والتاريخ المجيد، ولما حققته هذه الشخصيات من إنجازات غيرت مجرى التاريخ، وقادت الوطن باقتدار في مراحل استثنائية سيتوقف أمامها المؤرخون بالفحص واستخلاص العبر والدروس.
وفي هذه الأيام، تمر بنا الذكرى الثالثة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله- وهي مناسبة عزيزة وذكرى غالية على نفوسنا جميعا، لأنها تثبت أن هذه البلاد محفوظة بمشيئة الله أولاً ثم بإيمان وحكمة قادتها ووحدة شعبها، فقد هيأ الله سبحانه وتعالى لكل عصر رجاله ولكل مرحلة قادتها، فألقى الأمانة إلى سلمان بن عبدالعزيز في مرحلة مهمة من تاريخ الوطن، فكان على قدر المسؤولية العظيمة التي حملها، وعند مستوى الآمال التي ينتظرها الوطن منه، فأخلص -حفظه الله- لشعبه وتفانى في خدمة مواطنيه ومنح الوطن جهده ووقته وخلاصة خبراته وتجربته الطويلة، واتسعت منجزاته التاريخية والرائدة على امتداد وطنه وأمته.
ففي اللحظة التي تولى فيها حكم بلادنا الغالية، كان الوطن على موعد مع التاريخ، فأحدث نقلات نوعية في المجالات الحضارية والعلمية والثقافية وتبوأت المملكة مكانة مرموقة إقليميا وعالميا وبرزت معالم شخصية القائد الذي يرى أبعد مما يرى الآخرون ويطرق أبواب المستقبل في ثقة وثبات.
ثم كان اختياره صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وليا للعهد بما لديه من رؤية ثاقبة ورغبة جادة في العطاء وما يحمله من خطط طموحة للمستقبل ومدركة لمتطلباته ومتمكنة من أدواته، ليمنح نهضتنا التنموية عمقا استراتيجيا بعيد الأمد، ويدفعها إلى آفاق جديدة من التطور والازدهار، ويرسخ الامن والاستقرار، ويشكل مصدر إلهام وأمل لشباب الوطن للرقي ببلاد الحرمين لتتبوأ موقعها الطبيعي بين دول العالم.
فقد واصل هذا العهد الزاهر العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد المباركة منذ توحيدها تمسكاً بالشريعة الإسلامية الغراء وحفاظا على وحدة البلاد وتثبيت أمنها واستقرارها وبذل كل ما تستطيع لخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين.
وواصلت بلادنا التزامها بجملة من المبادئ اهمها احترام مبدأ السيادة والرفض الكامل والحاسم لأي محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية كما واصلت الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية. واهتم هذا العهد الزاهر بمكافحة الإرهاب والتطرف والتصدي بكل حزم لمنطلقاته الفكرية والتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة والهيئات الدولية في مكافحة هذه الآفة البغيضة.
وجاءت الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد تأكيدا على حرص حكومتنا الرشيدة على مواصلة مسيرة التنمية والتطوير وتنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية ونجاح البرامج الحكومية بتقليل الاعتماد على النفط بنسبة تصل إلى 50 في المائة تقريباً.
ويعد مشروع نيوم أحد التطبيقات العملية للتطلعات الطموحة التي أكدت عليها رؤية 2030 وسيكون الوجهة المثلى للموهوبين والمتميزين ويفتح المجال أمام الأفكار الخلاقة والإبداعية.
كما جاء الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله- بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد -حفظه الله- تقوم بحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، في إطار مكافحة الفساد والمحافظة على أمن الوطن واستقراره، ليشكل دافعا ومحفزا لمسيرة التطور والتنمية في بلادنا حرسها الله.
واهتم هذا العهد الزاهر بدعم مسيرة التعليم ورفع جودة مخرجاته وتحقيق التكامل بين شقيه العام والعالي باعتبارهما كيانا متكاملا ودعم مؤسسات التعليم وزيادة مواءمة مخرجاتها.
وسعت جامعة الملك فهد من خلال هذا الدعم إلى تنفيذ خططها الاستراتيجية التي تواكب رؤية المملكة 2030 وتسعى إلى تخريج كفاءات منافسة عالميا وتنفذ أبحاثاً ذات مردود عال، وأن تكون في مصاف أرقى الجامعات في مجال الطاقة والتخصصات المتصلة بهذا القطاع الحيوي.
وخلال الزيارة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز –يحفظه الله- للمنطقة الشرقية حظيت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بشرف تدشينه –حفظه الله- مشاريع المرحلة الثانية من تطوير المدينة الجامعية التي تضمنت مشاريع المرافق الأكاديمية والسكنية والمساندة بتكلفة إجمالية للمشاريع بلغت 2 مليار ريال.
ويعد تكرم خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله بتدشين هذه المشاريع تكريما للجامعة ومصدر فخر واعتزاز لجميع منسوبيها وتجسيدا لما يوليه حفظه الله لقطاع التعليم من الرعاية والاهتمام.
وفي الختام أدعو الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وأن يديم على بلادنا أمنها واستقرارها وعزها في ظل القيادة الحكيمة لحكومتنا الرشيدة.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
** **
د.خالد بن صالح السلطان - مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن