د. محمد عبدالله العوين
لا أجد تفسيرا لفتور شديد في الإقبال على العلم عند نفر غير قليل من طلاب الجامعات، ولا أطلق هذا الاتهام على عواهنه دون تبصر في ما يصدر من إشارات تكشف ضعف الدوافع الحاثة على طلب العلم عند هذه الفئة غير القليلة من طلابنا.
لدى بعضهم حرص على الحضور في القاعات والمتابعة والإلحاح في الأسئلة عن المنهج أو المفردات والأعمال المطلوب منهم إنجازها؛ لكن دافعه تجاوز أية عقبات تحول دون الحصول على الشهادة الجامعية سعيا للوظيفة فحسب؛ وليس لبناء شخصية باحث يضيف جديدا إلى ما تعلمه ودرسه، ولن أن أنكر حق هؤلاء وغيرهم في البحث عن مصادر الرزق التي ربما شحت أو ضاقت سبلها هذه الأيام ؛ لكن النبوغ العلمي والتفوق في أي تخصص قد يكون السبيل الأمثل والأيسر للحصول على فرصة عمل راقية أكثر من تلك الفرص التي تتيحها الشهادة الجامعية التي يحصل عليها المتخرج بدون تفوق ولا تميز.
لو أن الطالب الجامعي وضع له غاية بعيدة مثالية يسعى إلى تحقيقها وبذل من الجهد ما يوصله إليها لتحققت له الغايتان : التفوق العلم وفرصة العمل الجيدة أكثر من نيله شهادة عادية لم يتميز فيها فلا يجد أمامه إلا ما يلهث خلفه آلاف ممن يشبهونه يتسقطون أية سانحة تتيح لهم وظيفة عادية تبعد عنهم شح العوز والفاقة.
لست أجد سببا لمشاعر ضعف الإقبال على العلم والانصراف عن اللهو إلى الجد والقراءة العميقة في التخصص وما يضيف إليه من المعارف على الرغم من تيسر أسبابها وأدواتها في هذا الزمن إلى حد التخمة!
كانت المعرفة قبل تفجرها محصورة في الكتاب والجريدة والمجلة، أما اليوم فالفضاء مفتوح لإسعاد النفس بأطايب المعارف الطارف منها والتليد ؛ إلا أن من أعنيهم ممن لم يشعروا بفيض سعادة أمام تدفق زخم المعلومات والمعارف، ولم يثر فيهم نهما للاكتشاف يبدون وكأنهم يعيشون في معزل عن هذا العالم.
من يستطيع أن يجد تفسيرا لبلادة طالب يأتي إلى القاعة لا يحمل قلما ولا كتابا ولا دفترا يدون فيه ما يعرض له الأستاذ من مصادر ومراجع وأسماء وبحوث في التخصص نفسه ؟!
ومن يملك تعليلا لغياب وعي طالب كهذا عن معارف بدائية في تخصصه الذي يدرسه سواء جاء إليه برغبة منه أو دفع إليه دفعا ؛ ولأضرب مثلا بتخصص اللغة العربية وآدابها، فكثيرون ممن أقف أمام محاضرا لا يملكون المفاتيح الأولى التي لا بد أن يلموا بها لتنفتح لهم مغاليق التخصص.
نفر منهم لا يعرفون معنى كلمة «أعرب» ولم يقرؤوا مقالة أو قصة أو قصيدة فصيحة، ولا يعلمون عن الشعر إلا أنه يكتب بالعامية، بل لا يتحدثون إلا بلهجة عامية ؛ وكأنهم لم يدخلوا يوما مدارس تعلموا فيها.
تحدثت مرة عن أدب الدكتور طه حسين فنال أحدهم العجب كل العجب حين علم أنه كفيف غير مبصر!
جيل أمامه سبل العلم والمعرفة مفتوحة؛ إلا أن الكثرة الكاثرة منهم يستهويهم الفتات وما لا قيمة.