د. أحمد الفراج
يبدو المشهد السياسي الأمريكي مشتعلا هذه الأيام، فالجمهوريون يسيرون في ركاب ترمب، الذي يبدو أنه تجاوز مرحلة الخطر، بعد أن بذلت الدولة العميقة كل ما تستطيع لتدميره، وذلك بمحاولة ربطه بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وفشلت حتى الآن، ولأن ترمب سياسي عنيد، فقد حاول كل جهده أن يمرر بعض القوانين، ويبدو أنه نجح في ذلك، وكان، قبل ذلك، قد نجح في تمرير وعده بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، رغم المعارضات الشرسة لذلك محليا وعالميا، وحتى من داخل حزبه الجمهوري، الذي تربطه به علاقة «حب-كره» متبادلة، وغني عن القول أن قرار ترمب الاعتراف بالقدس قد حيّد حتى خصومه الديمقراطيين، فلا أحد منهم يستطيع معارضة ذلك القرار علنا، ففي الإمبراطورية الأمريكية، الويل لمن يعترض على قرار يتعلق بإسرائيل، والويل لمن تغضب منه تل أبيب أو ايباك.
في مدينة نيويورك، حيث يقبع مبنى الأمم المتحدة، تتنمّر مندوبة الولايات المتحدة، والمقربة للغاية من ترمب، الأمريكية من أصل هندي، نيكي هيلي، على بقية الدول، فقد توعدت بتغريدة لها على حسابها في تويتر بأن أمريكا لا تنوي التهاون مع من يعترض على اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقالت: «إن كثيرا من الدول تحتاج إلى أمريكا، وربما أن هذه الدول تفكر في استصدار قرار ضد اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولذا فإننا سنراقب الوضع، ونسجل ما يحدث!»، وهذا تهديد صريح، وبلغة غير مألوفة دبلوماسيا، وكانت هيلي قد قالت قبل ذلك: «إننا لا ننتظر من أي أحد أن يخبرنا أين نضع سفارتنا في إسرائيل»، وقد تذكرت، وأنا أتابع نشاط السيدة هيلي، السيدة مادلين اولبرايت، ومناوشاتها التاريخية مع صدام حسين، أثناء حصار العراق، في تسعينات القرن الماضي، فقد كانت أولبرايت سياسية شرسة، يحسب لها ألف حساب!.
يصعب على المتابع قراءة المشهد السياسي الأمريكي بدقة، فقبل أيام، هددت مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة إيران، وتزامن ذلك مع تهديد آخر لإيران من مستشار الأمن القومي، الجنرال مكماستر، وظن المراقبون أن أمريكا على وشك تأسيس تحالف دولي لمجابهة عربدة إيران وتوسعها ومواصلة تطوير برنامجها الصاروخي ودعمها للإرهاب، ثم فوجئنا بعد ذلك بتصريح لوزير الدفاع، الجنرال ماتيس، يعلن فيه أن أمريكا تنوي التعامل مع إيران بالطرق الدبلوماسية، في تناقض واضح، يصعب تفسيره، وربما ساهم هذا التناقض في تجرؤ إيران بمساعدة الحوثي لإطلاق صاروخ آخر على مدينة الرياض، والخلاصة هي أننا أمام مشهد سياسي أمريكي ساخن ومتناقض، وربما أن ذلك نتيجة لتفاوت الرؤى، بين ترمب وبعض أعضاء فريقه من جهة، والدولة العميقة من جهة أخرى، وربما تسفر الفترة القريبة القادمة عن حقيقة ما يجري، فلم يسبق أن أصيب المراقبون بمثل هذه الحيرة، فلننتظر ونرى!.