د.عبدالله الغذامي
تتزاوج كلمتان وتلدان ثالثة ، لم يحدث هذا بفعل فاعل محدد ، يكون أراد ففعل ، ولكنها تحدث وكأنما سيقت الكلمة على الألسنة دون تساؤل ، ولو تساءل جمهور اللغة عنها لمنعوا ولادتها ... فهي تولد إذن وتسير وتنمو حتى ليعجز حراس الجمود اللغوي عن كبحها ، ويعجز قانون ( قل ولا تقل ) عن تحويل مسار النهر المتدفق مهما تشنجت صرخات الباكين على مجد اللغة ، كما يتوهمون طبعا ، ومجد اللغة هو بسلامتها منهم وقدرتها على التمترس بالناس والقرطاس حتى لا تنفذ إليها سهامهم .
اللغة أقوى منهم وهي بكل تأكيد أذكى وأحصف والشاهد على هذا هو تاريخ مسارات اللغة العربية وفتوحاتها الكبرى التي ظلت تواكب فتوحات تاريخنا الأول وتمدده الجغرافي عابر الحدود والألسنة والأذهان ، وإن توقفت الفتوحات عمليا لكن أثرها وتأثيرها يظل فعالا ، ولولا الفتح اللغوي المتصل لما صرنا عربا من المحيط إلى الخليج ، وهو فتح يتعزز كل يوم حسب مهارة اللغة العربية على مقاومة التأكسد والتحجر ، وإن كان بعضنا يحاول أي يحميها بتحجيرها وكتم جسدها بتحنيطه ، وهذه محاولة تتكسر عند كل قفزة لغوية تسخر بهم ومنهم وتتجاوزهم ، وشكرا للفنون الحديثة في الكتابة والتعبير والتخاطب ، ونحن نشهد اليوم الخطاب التفاعلي في المواقع بأنواعها حيث تنطلق اللغة متجاوزة ومتجاهلة المعوقين والمثبطين ، ومنهم من ظهر في تويتر تحت معرفات المصحح اللغوي والمصحح الإملائي ليمارس محفوظاته المدرسية ويلاحق لغة البشر ظنا منه أنه يحمي لغة الضاد ولكن لا أحد يلتفت إليه ، وهم يصدون عنه لا بقرار ذاتي منهم ، لكنهم مدفوعون بسلطان اللغة ومهاراتها في كسر القيد وتحرير العصفور من قفص السجان ، وليس أخطر على الثقافة من سجاني اللغة ، ولو تيسر لهم لكتموا أنفاس اللغة حتى لا تتجاوز معتقلهم المعنوي ، ولا تجرؤ على السير في الشارع ، أو تنسم الهواء والأوكسجين ، وتظل اللغة تلد اللغة ، ولن تقف عن العطاء والإبداع والتجدد.