قرض، حصد، زرع. الكلمات التي بدأت بها معاناةً من العثرات، كثيرًا ما كانت الأحرف تهرب من بين أصابعي وأنا أكتب، أمسك بها حينًا وحينًا آخر تُفلت من يدي، أحاول جاهدة أن أتسلق جدرانها الشاهقة المرتفعة، يُخيل إلي أن في بطن الضاد يسكن وحش مفترس هو من تسبب في أكل أصابعي وجعل الحروف تنزلق منها فلا أستطيع الإمساك بها ووضعها في دفتري الصغير، أحاول كثيرًا ألا أركب أُرجوحة الراء حتى لا أسقط وأتأذى، أحاول أن أقرب تلك الأحرف مني بابتسامة مع كل محاولة لكتابة تلك الكلمات علَّها تألفني وتجعلني أُمارس معها حقوق الكتابة الإملائية الصحيحة حتى أكبر وأتخطى تلك المرحلة، كبرت أصابعي ولم تكبر تلك الأحرف بين يدي، بل أصبحت تبتعد وتبتعد عني، حتى آن لي أن ألتقيها مجددًا في سنة أخرى، ومع وجوه أخرى لا أعرفها، بدأت عيناي تعتاد تلك الانحناءات والتقوسات في كل تلك الأحرف حتى صرت أقلد خط معلمتي في ذلك الحين، رسمت تلك الأحرف وأتقنتها بكل عزيمة وإصرار، واجتزت تلك المرحلة بكل حب وسعادة، رغم السخرية الذي كنت أراها في وجوه البعض، ممن تقدمن علي وذهبن إلى صفوف أعلى، كانت الأعين والأفواه تثير في نفسي ألمًا كبيرًا، وتنثر على خداي ماءً غزيرًا، حتى أتت في يوم ما أستاذتي التي تحمل من اسمها الكثير، زهرة! أو لأقل زهرة لحياتي، كانت كزهرة حقيقة، أنبتت في روحي زهر الحياة ونشوته، جعلت مني إنسانة مبتسمة ترى النور الضئيل شعاعًا ساطعًا، وترى العثرات الدامية وصولاً نحو الأحلام، وترى الفشل مرآة النجاح والإنجاز، جعلتني أبصر الدنيا بقلب مشرق، وروح مفعمة بالأمل والطموح، رسمت مني لغة تُكتب، وسعادة تُرسم على الشفاه، وروحًا تسمو نحو الأمنيات، فلا ضير إن أصبحت يومًا أكبر سنًا عن أقرانك لأنك فشلت في أمر ما، وعاودت تكراره لتنجح، المهم أن تستفيد وتمضي وأنت تحمل بين جنبيك رضًا عنك وعما تبدو عليه الآن، قد يكون الفشل هو البداية الأولى لسلسلة نجاحاتك واستمرارها، فالمطالعة والإملاء لم تكن بالأمر السهل آنذاك بالنسبة لي، فقد واجهت العديد من الصعوبات لاجتيازها وها أنا الآن خريجة من قسم اللغة العربية، لا تدري قد يكون فشلك سابقًا هو سبب نجاحك اليوم.
** **
- فاطمة الورافي
@Fatemh3AW