في زمن التسارع والتغير الاقتصادي ينبغي تبني سلوك اقتصادي جديد ونمط معيشة مختلف يتناسب مع الوضع الاقتصادي السائد والذي تفرضه علينا المرحلة, وفي الفترة التي شهدنا فيها انخفاضا في الدخل القومي نتيجة تدني أسعار البترول، تطلب مني إعادة النظر في كثير من العادات الاستهلاكية التي أمارسها، والبحث عن ما يحررني من سطوة الاستهلاك والامتلاك كما يقول هنري ديفيد ثوريو «إن الانشغال بالممتلكات، أكثر من أي شيء آخر، يمنعنا من العيش بشكل حر ونبيل».
ومع (رؤية 2030) والتي تسعى لخلق نقلة اجتماعية وثقافية نوعية وتحسين مقومات المجتمع السعودي، وإدراكها لحاجة المواطن لتغيير العادات الاستهلاكية وتأمين وسائل متعددة للإنفاق الاقتصادي، قد يسهل معها تبني نمط حياة مختلف.
وبالرغم من أن المواطن السعودي يتمتع بمستوى دخل مرتفع مقارنة بالدول العربية الأخرى.
الا أن المناداة بالتوفير والادخار لمجتمع اعتاد لوقت طويل على الاستهلاك العشوائي هو حث على الشعور بالحرمان.
كما أن ثقافة الاستهلاك ربما كانت ثقافة قهرية لفترة من الزمن لغياب البديل. فالانشغال بامتلاك الأشياء هو محاولة لملء الفراغ والشعور بنشوة السعادة المؤقتة التي لا تلبث حتى يتسلل شعور الملل والفراغ مجددا.
إن الطرق لكسر روابط النزعة الاستهلاكية ورؤية سراب الملكية هو بناء عقل قادر اتخاذ قرارات واعية، وبناء عالم داخلي مستقر.
إن الهاوية الاستهلاكية يحاذيها نمط حياة مبسط قائم على العودة إلى الأساسيات وربما أقل.
وأذكر هنا مصطلح التقليلية «التبسيطية» (Minimalism) والتي تعني العيش على الحد الأدنى, وهو نمط حياة يبدو وكأنه حرية عاطفية من الحياة الاستهلاكية والممتلكات المادية والفوضى والديون، بعيداً عن تراكم الحاجيات والرغبة في امتلاك كل ما هو أحدث وأضخم.
«التقليلية» كمفهوم بدأت كحركة فنية في منتصف الستينيات. أطلقها الفيلسوف البريطاني «ريتشارد ولهايم» كوصف سلبي لمجموعة من الفنانين الذين تميز عملهم ب «الحد الأدنى من المحتوى الفني» - أي نقص الفن.
إلا أنها انتشرت بعد ذلك وازدهرت لتقديم الأعمال الفنية والديكور بأقل عدد من العناصر والألوان حيث إنها تعتمد على التبسيط وحذف الكثير من التفاصيل.
فلم يصبح هذا المفهوم أسلوبا للعيش حتى عام 2010م ، عندما أطلق الثنائي (جوشوا ميلبورن وريان نيكوديموس) موقعا إلكترونيا لنشر تجربتهم القائمة على هذا المبدأ.
ثم في عام 2011م، نشرا كتاباً (Minimalism: Live a Meaningful Life).
إن تبني نمط التقليلية لا يعني التقشف والحرمان، بل هو نوع من التطهير الروحي والثقافي لنزعة الاستهلاك، وإدراك أن الأشياء المادية هي مجرد إلهاء تروجها وسائل الإعلام على أنها مرتبطة بالسعادة.
لا ضير من اقتناء الأشياء والاستمتاع بها، مع ضرورة إعمال القرار الواعي، وإدراك الحاجة الفعلية، والتفكير مطولا قبل اتخاذ أي قرارات شرائية عشوائية, ولكن تبني «التقليلية» كأسلوب حياة ربما يكون علاجاً لشعور القلق الناتج من الإفراط الاستهلاكي، والتحرر من الضغوطات الاجتماعية والمقارنات, والأجمل أن تمتلك الأشياء لكن لا تدعها تمتلكك.
** **
- د. ريم الخضيري