أشد سلاح استخدم تاريخياً ضد البشر هو اليأس! فالمحارب المحنك هو الذي يُدْخِل اليأس في نفوس أعدائه قبل الدخول في المعركة، أي يدخل الهزيمة في النفوس لتكون المواجهة العسكرية سهلة وبأقل ما يمكن من خسائر.
في نهاية القرن التاسع عشر بدأت أوروبا المرحلة الاستعمارية، وانبرى مفكرو المافيا الرأسمالية بوضع خطط للهيمنة على العالم، وقال زعيمهم (الذي علمهم السحر اللورد مكانزي): «البحر الأبيض المتوسط هو قلب العالم، ومن يريد الهيمنة على العالم لا بد له من الهيمنة على هذا البحر، ولكن في الضفة الشرقية منه «حضارة» لو استيقظت «ستبتلع العالم»! لذلك يتوجب على بريطانيا قائدة المشروع الاستعماري الأوروبي زراعة دولة موالية لها في تلك الضفة لإجهاض أي محاولة «لليقظة» ودس «اليأس» في النفوس».
لم تكتف المافيا الرأسمالية بزراعة «كيان صهيوني» بل قسمت الوطن العربي ونصبت حكومات موالية لها، والأنكى من ذلك شغلت ماكينتها الإعلامية على مدى قرن ونيف لصناعة «اليأس» في نفوس العرب! فالوطن العربي أصبح اسمه «الشرق الأوسط» لنسيان كلمة «عربي»، وأدخلت ضمن هذا المفهوم الجغرافي حزاماً من الدول غير العربية لتكون سداً منيعاً يحول دون وصول ما يسمى «المد السوفيتي» إلى العرب، ثم شجعت الأفراد الأكثر يأساً على «الإبداع اليأسوي»، إذا صح التعبير، لينتجوا «إسهال» لغوي لتغذية اليأس مثل: «العرب كرب» و»يا أمة سخرت من جهلها الأمم» و»العرب أمة لا تقرأ» و»إذا أميركا قالت .. الكل يأكل تبن»..الخ.
وعلى الرغم من أن اليأس أصدق انباءً من «السيف والكتب» ولكنه لا يكفي لوحده لإحراز النصر! وإذا كانت «سرقة القدس» هي جريمة جديدة لتعزيز «اليأس»، فمن المفترض أن تحدث قبل المعركة العسكرية وليس بعدها!
خسارة المعركة في الموصل وحلب وغيرهما لم تحدث بسبب قلة «اليأس»، إنما بسبب انهيار الحزام «الشاهنشاهي» في إيران، والتحول الدرامي للحزام ذاته في تركيا، وانبثاق قطب عالمي وازن تقوده روسيا والصين، والأهم من ذلك كله صعود قوى في الوطن العربي لا تكترث لليأس، على الرغم من محاولات الإعلام العالمي لترسيخ استحالة تراجع ترامب عن قراره! ولا يتحدث هذا المحور عن استعادة القدس وحسب، بل عن الوجود الصهيوني برمته!
يقول السياب:
الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام!
حتى الظلام أجمل فهو يحتضن العراق
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون؟
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون
فكيف يمكن أن يكون؟
To be or not to be
That›s the question?
«شكسبير»
** **
- د . عادل العلي