منذ أن تعلمت سماع الموسيقى وموزارت يعيش معي، أي منذ أن انتشر تحريم الموسيقى في الفتاوى في الثمانينيات. وقد تزامنت تلك العلاقة السماعية بيني وبين موزارت مع مراهقتي.
وإذا اجتمعت المراهقة والموسيقى فهناك استجابة قوية الإرادة لاستقبال روح الحياة بكل واقعيتها واعتدالها الذي يحدث، لا الذي تحدث عنه المتطرفون. وأكل كل حاسة في.
إنني امرأة تخلقت مع إحدى سيمفونيات موزارت التي لم أكن أعرف لها تسمية آنذاك. كبرت تصورات أناملي في مخيلة تلك المعزوفات، ثم تنوعت وتفرعت في الناي والكمان والبيانو. لم تستوعب مخيلتي فتوى التحريم للجمال الذي امتزجت به نفسي؛ ولذلك فقد تركتها تنمو في حس نوراني مستقيم محب للجمال والتوازن، حتى أضحت طينتي نوتة موسيقية.
إذا تدربت الذائقة على موسيقى فهي لا تتنازل عن جمالياتها، ولا يمكن أن تفيض إلى أقل من نهرها ليجرف اليابس وليس الأخضر.
كل موسيقى لموزارت أو باخ أو شوبان أو فانغليس تدعو عشب الروح إلى أن يتكاثر، كما أنها تحني رؤوس الفزاعات التي تملأ البساتين؛ كي تتناسل الطيور في الغصون، وعلى رؤوس الأشجار.
في الأعالي هناك روح تدفع الشر ليهوي بعيدًا عن الموسيقى، وهناك من يحف بالأنهار والغابات والحدائق، ويحرس كل روح طيبة.
إذا صادفتنا الموسيقى فماذا سنفعل في دروب الكلمات؟
هل سنؤلف موسيقى من نوع آخر لتتجلى فينا الغيوم عن مطر غزير؟
كل قصيدة كانت في الأصل موسيقى، وتحولت إلى لغة. الموسيقى ليست لغة بل لغات.
** **
- هدى الدغفق