د. عبدالحق عزوزي
في حفل فكري بهيج ومتنوع في انتماءاته وكفاءاته احتفت منذ أيام المندوبية السعودية الدائمة لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» باليوم العالمي للغة العربية، في مقر المنظمة بباريس؛ وقد جاد وأجاد الأخ العزيز والمتألق الدكتور ابراهيم البلوي، المندوب السعودي الدائم لدى المنظمة، في تنظيم هذا اللقاء بحرفية كبيرة وبعد نظر لا يعلى عليهما في قلب منظمة عالمية تجمع صفوة من السفراء والممثلين الذين يرفعون راية الثقافة والتربية والعلوم التي عليها مستقبل البلاد والعباد..
وما تتميز به الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية لهذا العام هو إصدار كتابين باللغتين العربية والفرنسية تحت إشراف الأستاذ إبراهيم البلوي. فالكتاب الأول جاء بعنوان «اللغة العربية حاضراً ومستقبلاً: التحديات والتطلعات»، والكتاب الثاني الصادر باللغة الفرنسية بعنوان» اللغة العربية، لغة كونية». ويشكل هذان الكتابان اللذان شاركت في صياغتهما نخبة من البحاثة والمتخصصين والأساتذة الجامعيين من العرب وغير العرب، الإجابة على بعض التساؤلات الأساسية التي تتعلق بقضايا اللغة العربية في زمن العولمة والثورة الرقمية. وانطلاقاً من هذه التساؤلات جاءت مواد الكتاب الذي صدر باللغة العربية على ثلاثة محاور جوهرية، وهي: اللغة العربية والتقنية الجديدة، الاستثمار في اللغة العربية، واللغة العربية في البلاد غير الناطقة بها. تركز هذه المحاور على اللغة العربية واستعمالاتها في ضوء التقنيات الجديدة، كما تركز على أهمية تعزيز معرفة اللغة والآليات التي من شأنها أن تساهم في نشرها، وأيضاً انفتاحها على سائر اللغات عبر الترجمة، والاشتقاق ونحت المصطلح.
إضافة الى ذلك، تناقش موضوعاته كما جاء على لسان الأستاذ البلوي دور المؤسسات اللغوية العربية في مثل هذه القضايا اللسانية، ومسألة حضور اللغة العربية في الفضاء الافتراضي إلى جانب اللغات الأخرى، وإلى الرؤية المستقبلية للغة الضاد. أما الكتاب الصادر باللغة الفرنسية فجاء بعنوان «اللغة العربية لغة كونية» وهو يتمحور أيضاً حول اللغة العربية والتقنيات الجديدة، والمعاجم الورقية والإلكترونية والترجمة، وكذلك واقع تعليم اللغة العربية في الدول غير الناطقة بها والتحديات التي تواجهها، وأخيراً اللغة العربية وحوار الحضارات.
وما ميز كذلك الاحتفاء بهذه المناسبة هذا العام، هو تضمنها حفلة تسليم جائزة» الألكسو- الشارقة للدراسات اللغوية والمعجمية والتي قام بتسليمها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة، الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة. وتميز برنامج الحفلة بيوم اللغة العربية الذي نظم بالشراكة بين مندوبية المملكة العربية السعودية لدى «يونيسكو» ومنظمة «يونيسكو» بمشاركات علمية متميزة وبحضور متتميز، إذ شاركت نخبة من العلماء والأساتذة والباحثين في مقدمهم رؤساء مجامع اللغة العربية في العالم العربي ورئيس اتحاد مجامع اللغة العربية، ومثل هذا الحضور يعد إضافة كبيرة إلى برنامج الاحتفاء، وخصوصاً أن البرنامج تضمن حلقات نقاش حول آليات التنسيق بين المؤسسات اللغوية وكذلك تقديم المقترحات والتوصيات لليوم العالمي للغة العربية لعام 2018.
في ورقتي أشرت إلى أن الاختراق الثقافي اليوم لا يمكن أن ينجح في ظل العولمة، إلا إذا لم تتوفر لغة البلد على مناعة دائمة، وهاته المناعة تكون عندما تصبح مكوناتها ثقافة جماهيرية، أي عندما تجد الجميع يستهلكها. ولا غرو أن استهلاك الثقافة في مجتمعاتنا المعاصرة له علاقة بالعرض والطلب وبالسوق وبالصناعة الثقافية، بحيث أضحت للثقافة قيمة تبادلية.
ومن البديهي أن وجود سوق ثقافية يتوقف على وجود مستهلك ثقافي؛ كما أن أساس الاستهلاك الثقافي هو توفر القراء والنقاد للأدب والشعر، والإعلاميون والمحبون للسينما، والصناعة الثقافية في كل المجالات الثقافية: مطابع الكتب ودور النشر والمعارض الفنية التي تمنح الثقافة قيمة تبادلية واستهلاكية إلى غير ذلك.
ولله در الأستاذة رحمة بورقية عندما أشارت إلى أن الثقافة المحلية تواجه تحدي العولمة الثقافية جراء تنقل البضائع والسلع والمنتوجات الثقافية عبر حدود الأوطان، داخل عولمة ثقافية قد تجعل موسيقى «الراي» المغاربية تطرب الياباني، والأطباق الصينية تباع في المغرب، والوجبات السريعة الأمريكية تباع في جل بلدان العالم.
كل هذا ممكن نظرا لكون الثقافة أضحت مرتبطة بالصناعات التي تحول الأشياء الثقافية إلى بضاعة وما يولده ذلك من انتشار سريع للإنتاج والاستهلاك الثقافيين. ويلاحظ أيضا في إطار العولمة، نوع من الالتقائية للرأسمال والتكنولوجيا والبضاعة والإعلام..
وللحديث بقية.