د.حامد الوردة الشراري
تزامن الخطاب الملكي السنوي لخادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مجلس الشورى وما تضمنه من إشارة حول أهمية توطين التقنية، والأمر الملكي باعتماد الرسائل النصية المرسلة عبر الهاتف المحمول الموثق، أو البريد الإلكتروني، أو أحد الحسابات المسجلة في أي من الأنظمة الآلية الحكومية، كوسائل إلكترونية في التبليغات القضائية منتجة لآثارها النظامية، والأمر السامي بتخصيص 72 مليار ريال لتحفيز القطاع الخاص وتمكينه بما يحقق المزيد من تنمية الاقتصاد الوطني، والإعلان عن إنشاء بنك صادرات جديد برأسمال 30 مليار ريال لتشجيع نشاط التصدير ودعم مشاريع الصناعة والتعدين، والمؤتمر الدولي الخامس «لتقنية الحرب الإلكترونية» المقام بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الذي من أهدافه توطين التقنيات العسكرية المتقدمة، مع إقرار مجلس الشورى لنظام نقل وتوطين التقنية. إن نقل التقنية بدأ منذ عشرينات القرن الماضي مع دخول أول شركة للتنقيب للمملكة، أما توطينها الذي يعني إنتاجها محليا في أيدٍ وطنية ما زال هناك قصور فيه بالرغم مما تبذله الدولة من جهود لنقل وتوطين التقنية. نقل المعرفة وتوطين التقنية في الدول النامية لا تتم بسهولة نظرًا لفرض الدول الصناعية المتقدمة قيودًا شديدة لحماية صناعتها، التي هي قوام اقتصادها ومصدر قوتها، وضمان عدم نقل معرفتها وإعادة صناعتها وإنتاجها محلياً في دول أخرى منذ منتصف القرن الماضي من خلال سن التشريعات والقوانين الصارمة كبراءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية وتسجيلها وسرية الصنعة والاتفاقيات والتحكم في المنظمات الدولية ذات العلاقة. ..إلخ. لذا، أخُذ بعين الاعتبار حساسية وتحفظ تلك الدول على نقل بعض التقنيات المتقدمة وغيرها والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالتقنية وتوطينها في هذا النظام الذي يهدف لنقل التقنية (كسلعة تجارية) ونقل المعرفة المرتبطة بها، والقدرة على استيعابها والتمكين من إنتاجها وتطويرها محليًا بأيدٍ وطنية (توطينها)، بمختلف أشكالها ومجالات استخدامها، لتنويع مصادر دخل البلد الاقتصادي وبما يحقق أهداف الرؤية2030. إن غالب الأنظمة ذات العلاقة بنقل وتوطين التقنية، إما أن تكون تشريعات تساهم في نقل التقنية وتوطينها أو للحماية من آثارها السلبية على البيئة والمجتمع. من أهم سمات هذا النظام هو التحفيز والتسهيل لاستقطاب المستثمر الأجنبي الناقل للتقنية مع التركيز على أسلوب النقللأفقي للتقنية أي من الخارج إلى الداخل مع إعطاء عقود نقل التقنية الزخم الرئيسي، ولم يشمل ما يعرف بالنقل الرأسي للتقنية الذي يعني إنتاج وتوطين التقنية محليًا من خلال الجامعات ومدن التقنية ومراكز البحوث والتطوير الوطنية أو ما يطلق عليه «البحث والتطوير» وبرامج التنمية البشرية كالابتعاث الخارجي. المملكة سنت العديد من التشريعات ذات العلاقة بالتقنية منها: نظام براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة والأصناف النباتية والنماذج الصناعية، نظام الاستثمار الأجنبي، النظام العام للبيئة، ونظام العلامات التجارية...إلخ. العالم مقبل على ثورة تقنية رقمية هائلة ستغير الكثير من المفاهيم وأنماط حياتنا الاقتصادية أو الاجتماعية بدأت ملامحها وأصبح بعضها واقعًا منها؛ الثورة الصناعية الرابعة، الروبوت والذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، استخدام العملات الافتراضية (كالبتكوين)، البلوك شين، والحوسبة السحابية ...إلخ. هذه الثورة الرقمية تتطلب الاستعداد والجاهزية لها من خلال مراجعة الإستراتيجيات والتنظيمات والتشريعات التقنية الحالية وتحديثها باستمرار وسن تشريعات جديدة تتماشى مع هذه الثورة وتسارعها ضمن الإطار الإستراتيجي لرؤية 2030.