محمد آل الشيخ
لم يستغل السياسيون الانتهازيون العرب ومن ثم الفرس الإيرانيون، قضية مثلما استغلوا قضية فلسطين، وكذلك لم يُسئ أحد لهذه القضية العادلة مثلما أساء لها أصحابها الفلسطينيون. عبدالناصر كان أول من حاول أن يجعل من فلسطين جسراً لتحقيق أحلامه التوسعية في العالم العربي، وبناء حلمه (الجمهورية العربية المتحدة)، ووعد العرب - حينها - بأن يلقي إسرائيل في البحر، ولكنه اتجه إلى اليمن بدلاً من فلسطين، واستنزف قوة جيشه، ونفوذه الدبلوماسي وشعبيته هناك، وكانت عينه على المملكة، والأماكن المقدسة، وثروات النفط في الخليج العربي؛ غير أن إسرائيل باغتته بالمواجهة العسكرية الخاطفة، وهزمته شر هزيمة، في حرب لم تستغرق سوى ستة أيام فقط لاغير. ومات عبدالناصر تاركاً مصر مثقلة باقتصاد مهتريء، وبجيش مهزوم منهك، وبارتباطات مذلة مع المعسكر الشرقي، وعلى رأس ذلك المعسكر الاتحاد السوفيتي، الذي كان الضعف والوهن قد بدأ يدب في مفاصله الهيكلية، ليؤدي به فيما بعد إلى الفناء.
صدام حسين - هو الآخر - غزا الكويت رافعاً شعار (طريق القدس يمر بالكويت)، وصدقه المغفلون العرب، وامتلأت شوارع عرب الشمال، وعرب شمال أفريقيا، تهتف باسمه وتصفق له، وأعلن عرفات أنه والزعيم العراقي الملهم، يقفان في الخندق ذاته، ثم جاء التحالف الدولي، وتم طرده من الكويت، بسهولة منقطعة النظير، وبعد ذلك تم غزو العراق، وانهارت جيوش صدام، وفر عن لقاء الغزاة، حتى اصطادوه مختبئا كالفأر في جحر في إحدى صحاري العراق، واقتادوه إلى بغداد، وسلموه لمناوئيه، وحوكم محاكمة أشبه بالمسرحية، ثم أعدم.
وبعد عبدالناصر وصدام الذي كرر خطأ عبدالناصر، جاء الفرس الإيرانيون الآن، الذين يحملون للعرب أحقادا وكراهية وبغضاء، منذ أن سحقت جيوش ابن الخطاب إمبراطورية كسرى، وأسلمت الشعوب التي كانوا يحكمونها، واضطروا راغمين على الدخول في الإسلام. الفرس الإيرانيون يختلفون فيما بينهم في كل شيء تقريبا، غير أنهم يتفقون في رغبة جامحة تاريخية يتوارثونها أباً عن جد، في الانتقام من العرب. حاول الشاه أن يغزونا من خلال ادعائه أن البحرين جزء من إيران، لكن دعوته باءت بالفشل. وعندما جاء الخميني، وجلس على عرش الشاهنشاه الكسروي، ولكن بعمامة رجل دين صفوي، حيث حرف عقيدة الشيعة ليخلصها من العرب، وجعل من فكرة الولي الفقيه المسيسة مطية لغزو بلاد العرب، والثأر لهزيمة كسرى. ولكي يمهد الطريق لأطماعه التوسعية، ركب مطية فلسطين، وأعلن أن (القدس) قضيته، وأن فلسطين من النهر إلى البحر سيحررها بالقوة، من خلال الجهاد. كما قامت فصائل من المتأسلمين الفسطينيين بالتحالف معه، وأعلنوا على رؤوس الأشهاد، أنهم مع هذا الكاهن المعمم، الذي سيعيد القدس لهم مثلما أعادها صلاح الدين. الخميني ومن بعده خليفته، يدركون أن تحرير فلسطين لا يكون بهذا الأسلوب، غير أنهم أرادوا استغلال غباء وجهل كثير من الجماهير العربية المغيبة، وغير العقلانية، والتي تؤمن بالمعجزات، ليكونوا للفرس بمثابة الحمار الذي يطأ على أجساد بني يعرب، ليصل إلى مكة والمدينة، وينتقمون من ابن الخطاب، قاهر الفرس التاريخي، في عقر داره.
الفرس لا يقاتلون بأنفسهم، ولكنهم يستغلون أي شيء، بما فيه التباين العقدي بين الشيعة والسنة، ليكونوا لهم حميرا يركبونها، كما فعلوا بشيعة العراق العرب وشيعة لبنان، لكنهم على ما يبدو لم يقرؤوا جيدا تاريخ من سبقوهم، ممن ركب مطية فلسطين، ولم يجنِ إلا الفلس. إيران الآن في فوهة مدفع ائتلاف غربي، لن يستطيعوا هذه المرة مراوغته والاحتيال عليه كما فعلوا مع الرئيس الآفل أوباما.
إلى اللقاء