د. خيرية السقاف
«الشتاء غنيمة العابدين»
تتسلق هذه العبارة المأثورة إلى عيني من جذر ورقة التقويم..
تأخذني للحالة, وتورطني مع المخيلة..
وهكذا تفعل بي سطور أوراقه اليومية في الخانة البيضاء الأدنى من خانة اليوم, والشهر, والسنة, هناك حيث تطل الأبراج بأسرارها, بمخابئ الجذب العميق فيها للتأمل, والأسئلة,
هذه التي تخاتل المرء برغباته الدفينة نحو معرفة المجهول, والسؤال عن الآتي..
وتوقعه في ترتيب الأوليات في يقينها..
وعبارة اليوم قبل أن أسجل تاريخه في رأس المقال وأنا أهمّ بكتابته, داهمتني من مكانها
«الشتاء غنيمة العابدين»..
فعلت بي سفراً مذهلاً في أسئلة كثيرة, وتساؤلات علقت بتفكيري اللحظة, كما نعومة القطيفة في جناح الفراشة حين تعلق بأطراف أصابعي وهي تحط على كفي..
وغالباً ما أتفكر في انتقاءات من يرتب هذا الزمن في هذا التقويم بشهوره, وأيامه, ورقة ورقه..
وأشفق على جهده , إذ هو يستنزف منه إضافة إلى تتبُّع الأنواء, ومسار الكواكب, ومواعيد القمر, وتفاصيل عجلة الشمس لمستقرها, جهد الغوص في مآثر الفكر, وبقاياه الشائعة..
هذا الذي يفعل فيعطينا كتاباً لأيامنا, يقيناً بأنه جماعة وليس فرداً, في مؤسسة تعمل بصمت, دون بهرجة, أدري أنها «مطبعة الحكومة», إذ هي التي تضطلع منذ نشأتها بمهمة إعداد, وإصدار «تقويم أم القرى», كما هو اليقين بأنّ وأحداً ما ممن يقتنيه سنوياً, ويودعه نهاية آخر ورقة فيه, ويعود يقتنيه لعام آخر فآتٍ, فما بعد, لم يخطر في ذهنه أن يفكر في هذا الجهد, ولا أن يبادر بكلمة شكر, أو يرفع بدعوة لهم إلى السماء..
بيْد أنّ ورق التقويم هذا تستلهم نقاطه بما فيها كل المبدعين, ذوي الشفافية, ومصيدة الخاطر, الحاصلين على جوازات سفر حيث تأخذ بعضهم ما فيه من حالات الأنواء, ومنازل الأبراج, ومواقيت الغيم والمطر, وسطوع الشمس ومحاق القمر, وبدريته.., بينما تأخذ بعضهم الآخر مساحات ورقه البيضاء بما تولده أرقام الأيام بمواعيد وقتها للإفضاء بمكنونهم.., وممن تأخذهم مضامينه أولئك الذين لا يعنون بأمره إلا لقراءة عاجلة لتاريخ يوم فيه موعد عمل, أو شأن حياة, ثم يمزقونه , أو يتخلصون منه, ورقة ورقة كلما انطوى فيه يوم, أو كلما أفضت أوراقه لآخرها!!..
هذا التقويم له قيمة الأيام, والسنين..
ورقته اليوم 3-4-1439/ 21-12-2017 تتماهى مع المناخ, تتسق مع الطقس, بعبارة :
«الشتاء غنيمة العابدين», ونحن في الشتاء..
هي الحالة, ولكن في ضوء حالة الحياة الدنيا الراهنة, وتحت الشمس الوضيئة ..
هل تبقى من الغنيمة شيء؟
وهل لم يُشْغَـل العابدون بغير زاد المسار عنها؟!..