الجزيرة - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
موازنة العام الجديد لعام 2018 رغم أنها احتوت نموا على المستوى المطلق للإنفاق الحكومي بنسبة 5.6 % عن مستويات إنفاق العام الماضي، ورغم أنها تضمنت إنفاقا تشغيليا بلغ حوالي 773 مليار ريال، وهي أيضا تمثل ارتفاعا عن مستوياتها للعام الماضي بنسبة 3.6 % ، فضلا عن أنها تضمنت إنفاقا رأسماليا بقيمة 205 مليار ريال بزيادة قدرها 13.6 % عن عام 2017، رغم كل ذلك، فقد تضمنت موازنة العام الجديد بندا استثنائيا وغير معتادا لأول مرة وهو إنفاق استثماري بقيمة 133 مليار ريال، يتم إنفاقه من خلال صندوق الاستثمارات العامة والصناديق التنموية. والبعض يتساءل لماذا الإنفاق الاستثماري في هذا العام تحديدا ؟ وما هي فائدته ؟
من يستعرض بيان الموازنة جيدا سيجد أمورا غاية في الدقة والترتيب، بل غاية في الترابط، فآفاق الاقتصاد المحلي تقوم على تحديد معدل نمو للاقتصاد الوطني في عام 2018 بنسبة 2.7 %، وهذه النسبة تقوم على استهداف معدل نمو للناتج المحلي غير النفطي الحقيقي بنسبة 3.7 %، إلا أن هذه الأخيرة لها مدخلات وعناصر لابد من توافرها، وهذا يتطلب إنفاقا استثماريا فريدا لتحريك وتنشيط الناتج غير النفطي.
السياسة الجديدة التي تبنتها الموازنة ليس وضع نتائج ومخرجات عشوائيا، ولكن رصدت لها المخصصات الكفيلة بتحقيقها. بل يوضح الشكل الثاني أعلاه أن الاستثمار الخاص الحقيقي أحرز معدل نموا سالبا في عام 2017 بنسبة (-0.6 %)، وهذا النمو السلبي، لذلك فأحد أهداف الموازنة الجديدة رفع معدل نمو هذا الاستثمار الخاص إلى 3.3 %، وهو أحد المدخلات الرئيسية لرفع معدل نمو الناتج غير النفطي، والأخير مدخل لرفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. وينبغي أن نعلم أن الاستهلاك الخاص الحقيقي نفسه لم يسجل نموا قويا يشجع على تحقيق معدلات النمو المستهدف للناتج المحلي الإجمالي، حيث أنها سجلت معدل 1.2 % خلال هذا العام (2017)، ولا يتوقع تسجل سوى 0.4 % خلال العام المقبل (2018)، لذلك، لا يمكن الاعتماد على الاستهلاك الخاص في قيادة عجلة دوران ونمو الناتج غير النفطي.
كل ذلك، عزى بالحكومة تنشيط الإنفاق الاستثماري بتخصيص رقم كبير وغير معهود وهو 133 مليار ريال لعام واحد (2018)، بحيث يمكن منظومة القطاع الخاص على تولي زمام مبادرة النمو للقطاع غير النفطي.
من الواضح أن الدولة رصدت هذا الرقم غير القليل لكي تنشط مبادرات القطاع الخاص وتقوي قدراته وإمكانياته على إحراز النسب والمخرجات المطلوبة في موازنة عام 2018.
البعض يسأل ما هو الفرق بين الإنفاق الحكومي والإنفاق الاستثماري ؟ الفرق بينهما كبير للغاية، فالإنفاق الحكومي هو إنفاق غير مسترد وليس له عائد، ويمثل دعما وخدمة عامة تقدم بلا مقابل ضمن منظومة خدمات الموازنة للدولة أو للمواطن. ولكن الإنفاق الاستثماري هو إنفاق حكومي ولكن له عائد ويتم استرداده، ويفعل نظاما ذاتيا لإيجاد عائد للنفقة الحكومية بحيث إن الدولة تنفق مرة واحدة، ثم توجد نظاما ذاتيا للإنفاق التالي لسنوات تالية. أيضا الإنفاق الاستثماري تفعله الحكومة لعام 2018 ضمن خطة لوقف الهدر الحكومي على قطاعات خدمية أو على خدمات يفترض أن تعمل بكفاءة، ومن ثم تم تحويل جزء من الإنفاق الحكومي إلى إنفاق استثماري بحيث ترتفع كفاءة وفعالية هذا الإنفاق. وإذا شئنا اكتشفنا أن رؤية 2030 أطلقت في موازنة 2018 رؤية جديدة لتجفيف منابع الهدر حكومي، تتجلى في التدرج في استبدال أجزاء هامة من الإنفاق الحكومي بإنفاق استثماري، بما يضمن عدم استمرار الإنفاق على نفس البنود في السنوات المقبلة. وبالطبع يمكن بسهولة اكتشاف الأسباب وراء تخصيص هذا الإنفاق الاستثماري من خلال صندوق الاستثمارات العامة وصناديق التنمية بعيدا عن إنفاق وزارة المالية، وخاصة أن هذه الصناديق تعمل بمنظور تنموي استثماري بعيدا عن الإنفاق الحكومي اللانفعي أو غير المسترد.