د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
كشف وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد في تصريح له في عدد صحيفة الحياة الصادر في يوم الإثنين 18-12-2017، أن «معظم من يكتبون سلباً عن المملكة كانوا سابقاً يكتبون عن جهل، أما اليوم فهناك 30 في المئة يكتبون سلباً متعمدين الإساءة للمملكة»، مضيفاً أن «من يكتب سلباً عن السعودية سيستمر بسلبيته حتى يزور المملكة ليغير من رأيه، نتيجة للدور الذي يقوم به فريق مركز التواصل الدولي».
وكنت قد أعددت مقالة مطولة منذ أشهر تتحدث عن الحملات الإعلامية والدعائية التي تعرضت لها المملكة ولكني لم أقم بنشرها، لكونها تأتي ضمن مشروع لكتاب، ولكني وجدت ما جاء على لسان الوزير العواد مناسبة لطرح المقالة للنشر، وقد اخترت الجزيرة مكانا لنشره.
ترجع الحملات الإعلامية والدعائية «السوداء» التي تشُنّها دوائر غربية، أغلبها أمريكية وبريطانية، ضد المملكة العربية السعودية، إلى هجمات سبتمبر 2001، التي ضربت بُرجي التجارة العالمية في نيويورك، يوم الثلاثاء الأسود الموافق للحادي عشر من ذلك الشهر، وبسبب وجود سعوديين من الشباب الذين نَسَبَت إليهم دوائرُ صحفية وإعلامية، وأوساط سياسية غربية «تُهمة» الاشتراك في تفجير البرجين.
الحملات الإعلامية تراوحت - منذ ذلك التاريخ - بين مَدّ وجَزْر، تتصاعد حينا، وتخفت حينا، لكنّها لم تتوقّفْ عن الادّعاء بأن السعودية مسؤولة عن الجريمة، التي «أدانتها» المملكة منذ اللحظة الأولى، بل ولم تتوقّف عن الهجوم عليها وعلى مرتكبيها، وإدانتهم، رسميا وإعلاميا وشعبيا، الأمر الذي يدفعُ الباحثين المحايدين والمنصفين إلى التساؤل عمّا وراء هذه الحملات الإعلامية، وما تُخفيه وراءها من تضليل وأكاذيب، والتساؤل عمّا وراء الإصرار على الاستمرار في شن هذه الحملات الإعلامية الضالّة والمُضَلّلة والكاذبة على المملكة.
ويُشير باحثون إلى أن الحملات لم تتوقّف عن تعبئة الرأي العام الغربي ضد المملكة، مؤيّدين لما نذهب إليه فيما يتعلّقُ بأن هذه الحملات استمرّت بين مد وجزر، لكنها لم تتوقّف، بل اتّسَمَت بالاستمرار والإصرار. واللافت أكثر لدى بعض المراقبين للظاهرة، «هو طول النفس، في الجانب المتصل بتعبئة الرأي العام الغربي ضد بعض التقاليد العربية، والقيم الإسلامية، حتى غدت أشبه بالمسلّمات لكثرة طرقها لدى شرائح من المسلمين، ناهيك عن الجمهور الغربي المستهدف، فتارة يربطون الإرهاب بغياب الديمقراطية، وتارة يربطونه باللِّحية، وأحيانًا بلبس النقاب.
ويرصد المراقبون تصاعد موجة وحدّة العداء اللفظي، وتزايد نبرة الهجوم الإعلامي على مواقف المملكة الإقليمية والدولية، واشتعال حملة تشويه الصورة «التاريخية» للمملكة، مع «تَغيُّر الوضع الإقليمي منذ الغزو الأمريكي للعراق، وما تلاه من قلاقل، ثم قيام ثورات الربيع، وتصدع النظام العربي، ومنح إيران وعملاءها فرصة كبرى للتدخل بشكل سافر وتأسيس مزيد من المنظمات الإرهابية. إن الإعلان عن الاتفاق النووي الإيراني والانسحاب الأمريكي من المنطقة قد فهم من قبل إيران على أنه إطلاق يدها لتصول وتجول كيف شاءت، كما جاء على لسان عدد من مسؤوليها وأبواقها الذين بدأوا يرددون بأنهم سادة المنطقة، وأنهم يحتلون 4 عواصم عربية.
ولاشك أن أخطر ما طرأ على العلاقة بين المملكة والغرب بشكل عام، يتمثّلُ في انتقال الهجوم على المملكة، من برامج وحوارات على شاشات التليفزيون، وتحقيقات ودراسات ومقالات في الصحف والمجلات إلى ما يمكنُ أن نُسَمّيَه مفهوم «الحملة» الإعلامية، وهي أكبر وأشمل وأوسع بكثير من الهجوم عبر برامج ومقالات، مهما زادَ عددُها، وذلك لأن «الحملة» أكثر تنظيما، كما أنها تكون مُبرمجة زمنيا، وتخضع لإدارة تحركها، ومن ثم تصبح أكثر تأثيرا.
من هنا، وجدنا حملات يبدو للجميع أنها مدروسة ومُنظمة وموجّهة، تشارك فيها مؤسسات غربية، وتستهدف المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يعكسُ تحولا «دراميا» في العلاقة بين المملكة وحلفائها التقليديين، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، ويشير إلى تطور، ربما بدا الأولَ من نوعه، منذ بدأت العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة خاصة، عقب لقاء الملك المؤسّس عبدالعزيز آل سعود - طيّب الله ثراه - والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في البحيرات المرة بقناة السويس، في 14 فبراير 1945، على متن الطراد يو إس إس كوينسي البحري.
ولابد أن يدفعنا هذا التزييف، وهذا الترابطُ «المزعوم» إلى تناول قضية بالغة الأهمية، ينبغي أن نلتفتَ إليها، وأن يتأملها ويلاحظها الباحثون، وهي تتعلق بمحاولة أجهزة الإعلام الغربية خلق «صورة نمطيّة» للإنسان العربي بشكل عام، و»السعودي» بشكل خاص، في توجّه لئيم لاستغلال بعض التصرفات الحمقاء التي يرتكبها مسلمون أو عرب، لكي يسحبوا ما يريدون من صفات غير إنسانية على الشخصية السعودية، بل لكي يُسقطوا كل ما يريدون من سمات «مشوّهة» على المواطن السعودي.
وفي إطار «تنميط» الصورة الذهنية للمملكة، وترسيخ الصورة «النمطية» التي يسعى الإعلام الغربي بشكل عام إلى إلصاقها بالمملكة، يقوم الإعلام الغربي بترسيخ «نمطيّته» على محورين: أولهما، يتصل بالمملكة، حيث يسمح لأشخاصه ورموزه بالتهجّم على المملكة، قاصدا -ـ بما يعلمه عن «رمزيتها» الروحية في العالم الإسلامي - الإساءة إلى الإسلام. وثانيهما، يتصل بما سمّيناه محاولة «تنميط» المواطن السعودي، أو الشخصية السعودية، أو محاولة خلق صورة نمطيّة «مُسيئة» للشخصية السعودية، حيث جعل من أشخاص متطرفين، ولا علاقة لهم بتمثيل «الدين»، أو حق التعبير عنه، كأسامة بن لادن - على سبيل المثال - علامة ونموذجا ومُمثّلا ورمزا للشخصية السعودية، ثم سحب ما يُريدُ من صفات وأفعال وتصريحات الشخصية التي اتخذَها «رمزا» على المواطن السعودي، يريد إلصاق هذه «الاتهامات» بالشخصية السعودية، واصفا المواطن السعودي بأنه متطرف وإرهابي، هكذا بكل اجتراء وافتراء على الحقيقة، موظّفا «لحظة» تاريخية قصيرة في عمر الإنسانية، ومستثمرا «صورة» الحادي عشر من سبتمبر 2001م، في رسم هذه «الصورة» النمطية السيئة، وترسيخها في أذهان الرأي العام الغربي والأمريكي خاصة.
لقد ظلت «الآلة» الإعلامية الغربية منذ سبتمبر 2001 تُطاردُ ابن لادن، لا بوصفه متطرفا أو متشدّدا أو إرهابيا، وإنما بوصفه سعوديا، في محاولة منها لإلصاق التهمة - التي خلعها هو بنفسه على نفسه - بالشخصية السعودية، وتأكيدا لهذه الحملة الإعلامية والمؤطرة بالدعاية المغرضة، وترسيخا لأهدافها، ظلت الإدارة الأمريكية آنذاك، تلاحق ابن لادن إعلاميًّا، لا حربًا على الإرهاب، بل غمزا في المملكة، والتعريض بها، من باب أن أسامة بن لادن سعودي الجنسية.
وتنسى أبواق الإعلام الغربي أن أسامة هو «بضاعتُهم» رُدّت إليهم، فهو «صنيعة» الأجهزة الأمريكية، استخدموها لأهداف عرفها العالمُ كله في أثناء الحرب الباردة، فلما انتهت المهمّة، انقلبَ السحر على الساحر، وبدلا من أن تواجه أجهزة الإعلام الغربي الحقيقة، راحت تتجه إلى المملكة تصوّب نحوها سهامَ الحقد، وتُلقي عليها بالاتهامات «المعلّبة» والجاهزة، حسدا من عند أنفسهم، وحقدا على المواقف المبدئية للمملكة، ضد الإرهاب والعنف، حيث تعرّضَت المملكة لموجات من الأعمال الإرهابية، في أكثر من مكان بامتداد مساحة الوطن، وفقدت الكثير من الأرواح من أبنائها الذين قضوا شهداء، وراحوا ضحايا الإرهاب، خلال السنوات الماضية، خصوصا منذ تفجيرات الرياض في 1995 والتي تبنّاها تنظيم «القاعدة»، وتفجيرات الخُبَر في 1996، وحتى الوقت الحاضر .
ويمكنُ القولُ بأن موجة العداء «الغربي» الذي تغذيه أوساط صهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية ومثيلتها في الاتحاد الأوروبي تركّزُ هجماتها على المملكة، بينما هي تربط بشدّة بين المملكة والدين الإسلامي، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث كشّر الإعلام الغربي عن أنيابه، وشنّ حملته الدعائية على المملكة والإسلام، مركزا على ربط الدين بالإرهاب، ونسبَ هذا الإعلامُ - افتراءً - إلى المملكة كلَّ الأفكار التي تربط الدين بالإرهاب والعنف والتخلف الاجتماعي.
ويلاحظُ أن هذه الحملات الغربية تتفق على مهاجمة السعودية، عاجزة عن إخفاء عُمق عدائها للإسلام، إذ تحسُدُ المملكة بسبب مكانتها الدينية في العالم الإسلامي، كما تُنكرُ عليها موقعها الروحي بين المسلمين؛ ولا تُخفي حقدَها على المملكة، لأن فيها المدينتين المقدستين، مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة .
وتدور مؤامرة الإعلام الغربي حول تشويه الصورة الذهنية للمملكة لدى الرأي العام العربي، حول عدد من الأفكار الساعية في النهاية إلى تنميط الشخصية السعودية، وخلق صورة «نمطية» للمملكة في أذهان الرأي العام الغربي، مع محاولة ترسيخ فكرة إسلامية الإرهاب، وأن العنف من الإسلام، كذلك قتل الناس، واضطهاد المرأة، وقمع حرية التعبير، وعدم تكافؤ الفرص، وغياب العدالة والمساواة. ولا يكتفي الإعلام الغربي بذلك، بل يذهب إلى اتهام مناهج التعليم السعودية، وينتقد غياب الديمقراطية.
ويعمد الإعلام الغربي إلى الكذب، حتى في مجال الاقتصاد الذي يعرف دقائقه وأسراره أغلبية الرأي العام العالمي، من حيث يمس شؤون حياتهم اليومية، فيتجه عامدا - إن ارتفعت أسعار النفط أو تهاوت - إلى الزعم بأن المملكة هي السبب، وأنها وراء هذا «الحراك» في سوق السلعة العالمية الاستراتيجية، وأن الملوم بين كل الدول المنتجة للنفط، هي المملكة العربية السعودية.
وقد أثارت هذه الادعاءات والافتراءات اهتمامَ عدد من المراقبين في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، فأنكر كثير منهم هذه الأكاذيب والافتراءات.
وعلى سبيل المثال، فقد ذكر إليوهان كالتونغ الحائز جائزة نوبل البديلة في مجال أبحاث السلام أن الإعلام الغربي يركز على تغطية الأحداث والأخبار القادمة من الشرق الأوسط بشكل انتقائي، وغير عادل، وأن الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام عن المملكة العربية السعودية تندرج في معظمها تحت أخبار العنف، وقد فعل الغرب ذلك لإضعاف موقف السعودية من الاتفاق النووي الإيراني.
وإذا كنا نرى أن تاريخ الحملات العدائيّة «المنظّمة» يرجع إلى ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هنا، هو: ماذا تضمنت الحملة الإعلامية ضد المملكة، وماذا تتضمن حتى الآن؟
وهذا ما سيأتي الرد عليه في مقالة «الحملات الإعلامية والدعائية ضد المملكة 2)