سعود عبدالعزيز الجنيدل
تطرقت في الجزء السابق إلى الجانب اللغوي، ومستوى حضوره في وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة.
وسألقي الضوء هنا على الإعلامي وكيفية تناوله للغة.
مما لا شك فيه أن الإعلامي أيًا كان مجاله لا يستغني عن اللغة، فهي الوعاء والمحتوى الذي يُراد إيصاله للناس، بغض النظر عن الوسائل الإعلامية المختلفة، وسواء أكانت الوسائل الإعلامية تقليدية من صحف ومجلات وخلافها، أو من وسائل الإعلام الجديد كوسائل التواصل الاجتماعي، فما يجمع كل هذه الوسائل هو استخدام اللغة، ولهذا حري بِنَا أن نتناقش ونعقد اللقاءات وورش العمل حتى يتسنى لنا التوصل للخلطة السحرية في عرض العمل الإعلامي بلغة مميزة، تحقق الهدف من الرسالة الإعلامية.
الإشكالية من وجهة نظر الكثيرين أن اللهجة العامية هي الطاغية على أغلب وسائل الإعلام، فلا تكاد تجد المحتوى الإعلامي يُقدَّم بلغة فصحى إلا في نشرات الأخبار، ووكالات الأنباء، والصحف في بعض صفحاتها، وبعض البرامج الثقافية، وما عدا ذلك فالمحتوى الإعلامي يُقدَّم بلهجة محلية، فعلى سبيل المثال أغلب البرامج الرياضية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية تقدم باللهجات العامية، وليس هذا حكرًا علينا في المملكة العربية السعودية، بل هو ديدن الوطن العربي كافة.
لا يعني ذلك أن الملامة تُلقى على مقدم المحتوى الإعلامي، فهو - وبلا شك - يريد التواصل مع أكبر شريحة ممكنة من المتلقين، ولو كان باستخدام لهجة عامية، فلا بأس فالهدف من الإعلام هو إيصال رسالة للجمهور، وهو بذلك قد حقق هدفه.
فالمعضلة تكمن - من وجهة نظري - في كيفية تقديم المحتوى الإعلامي بلغة فصيحة!
وهل إذا تم ذلك سيكون المحتوى مقبولاً لدى عامة الناس؟
وكيف تستطيع تغيير قناعة الناس الذين ألفوا استخدام اللهجات العامية، وهل يمكن الارتقاء بهم من مستوى العامية إلى مستوى اللغة الفصيحة، وماذا سيحققون من ذلك، وهل إذا حاولنا استخدام لغتنا الفصحى عوضًا عن اللهجات العامية سننجح؟
حقيقة، أنا لا أملك إجابات على كل هذه التساؤلات، ولو قلت إني أملك ذلك فسيصدق عليَّ قول الشاعر:
فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفة ً
حفِظْتَ شَيئًا، وغابَتْ عنك أشياءُ
ولا أتصور أن الإجابة عليها في متناول اليد.
كما يصعب التكهن بنجاح ذلك، وكذلك من الصعوبة بمكان اختيار إستيراتيجية معينة لتحقق هذه الأهداف!
هذه تساؤلات يجب التصدي لها، وعقد الورش واللقاءات بين الإعلاميين واللغويين، حتى يتوصلوا لمقاربة يستطيعون من خلاها التوصل إلى مستوى معين من اللغة يكون مقبولاً لنا بصفتنا لغويين، وكذلك مقبولاً للمتلقين، لأنهم الهدف الأساس الذي يريد المحتوى الإعلامي الوصول إليه، وتقديم محتوى لا يراعي مستواهم يعد أمراً ناقصاً، والبقاء على ما يقدم سابقًا لا يرضي محبي اللغة، وكأن هذه معادلة رياضية تحتاج منا إلى تكثيف الجهود للتوصل إلى نتيجة ترضي الجميع، ولكن هل يا تُرى نحن قادرون على ذلك!؟