د. محمد بن إبراهيم الملحم
بهذه العبارة اللطيفة انتهى الحديث في مقطع وصلني ثم بثثته أمس عبر تويتر لمعلم مخضرم من جيل الجدية والحيوية أجلس حوله طلابه للصف الأول الابتدائي (أولى د) في فناء إحدى مدارسنا وقد شب النار ووضع إناءً يطبخ فيه «مقلقل» اللحم لهم فيما يبدو أنه مكافأة على حسن أدبهم وحسن تعلمهم واهتمامهم بدروسهم، وقد عبرت عنه في تغريدتي أنه «مقطع العام»، فكل ما فيه من تلقائية وعفوية تشهد لهذا المعلم أن هذا ديدنه وهذه سجيته مع طلابه كما أن جلوسهم حولهم ونظراتهم له نظرة الأب الحاني تشهد لطلابه أدبهم وحسن أخلاقهم مع معلمهم الذي أدبهم بخلقه الرفيع وحسن تعامله معهم.
عندما وصلني هذا المقطع عبر الواتس أب جلب إلى ذاكرتي فوراً كل مقاطع المعلمين الرائعين الذين تعاملوا معي وزملائي الطلاب برحمة وأدب ونصح وحسن حوار، لقد كانت دعوات هذا المعلم لطلابه بأن يوفقهم الله ويصلحهم ويخليهم لوالديهم ويراهم كباراً دكاتره وأساتذة في مستويات عاليه تعيد إلى سمعي كل عبارات الرعاية والاهتمام والتشجيع والتحفيز التي سمعتها عبر حياتي الدراسية من معلمي الأفاضل، وإن واثق أن كل من شاهد هذا المقطع انتابته نفس المشاعر وربما أكثر من ذلك، فأي شيء أجمل من العطاء بالمشاعر والعاطفة الدفاقة لمن لا يمت لك بصلة رحم أو نسب أو لك عنده مصلحة مادية، رعاية هؤلاء الأطفال رسالة وفن في نفس الوقت لا يجيده إلا من يحبه ويعشقه وينتمي إليه.
لقد ألهم هذا المعلم فيّ أن أكتب لكم هذه السطور كما أنه ألهم في كل من شاهده أن في معلمينا خير كثير وأن قيمهم هي مصدر العطاء والخير التربوي في مدارسنا، ويجب أن نفهم أن تدريس الصفوف الأولى لا يمكن أن يثمر بحس المعلم «الموظف» والذي يؤدي دوره بطريقة آليه مبرمجة، بل هو عطاء أبوي للأولاد وأمومي للبنات، فمن يدخل الصف بدون هذه الروح فليس مرب وإنما موظف يقوم بنقل المعلومات من ذهنه إلى أذهان الطلاب فلا تربية ولا رعاية، ومع شديد الأسف أن معلمي الصف الأول (والثاني) لا يتم اختيارهم بمعايير تلتقي مع هذه السمات وذلك عائد إلى أنه لم تخصص لهم رواتب خاصة ترغِّبهم في تدريس هذه الصفوف، بل حتى الحوافز التي خصصت لهم تم التراجع عنها رويداً رويداً، ويؤسفني أيضاً الإفتراض الكبير عند مخططي السياسة التعليمية لدينا بأن المعلمات أفضل من المعلمين في تدريس هذه السن ففكروا في دمج هذه الصفوف في مدارس البنات، بينما مدارس البنات ليست خالية من فئة المعلمة «الموظفة» والتي تدرس البنات الصغار بطريقة آلية بل يبدو لي أنهن في تزايد! الفكرة هي في البحث عن المعلم أوالمعلمة من الذين لديهم حب التدريس وروح الرعاية والاهتمام بالأطفال ثم تدريب وصقل هؤلاء تربوياً ومكافأتهم على تدريس هذه الصفوف بما يرغبهم في الاستمرار، بهذا ستكون صفوفنا الأولية في خير وتأسيس أبنائنا وبناتنا في أرقى مستوياته المعرفية والسلوكية.