د. خيرية السقاف
حتى الميزانية جاءت برقم مغاير لم يسبق إليه في ضوء تدنِّي أسعار البترول, لكنها توطِّد لأركان التغيير الذي بدأ مع رؤية 2030, ومع تنفيذ أجرأ, وأصدق إجراء لقرار كان هو رأس عناوين خطط التغيير, وهو القضاء على الفساد المالي التوسعي لثروات المتنفذين من مسؤولين, ورجال أعمال, ومن في معيتهم بالتسوية معهم, واستعادة ما أخذوه ليصب ليس في مجراه عائداً, بل ليكون هذا الإجراء رادعاً, ومانعاً لأيِّ تفريط في مسار تنفيذ الأعمال, والتعامل مع بنود ميزانيات المؤسسات باختلافها بوعي, وحذر, وصدق, وأمانة, وصبها بعناية في مجراها المخصصة له...
ولئن حملت الميزانية العديد من الأهداف, وصبّتها في قنوات المؤسسات بوصفها طوع إدارات بشرية تنفيذية, فإنّ المعوّل في ضوء الحسم, والصرامة, وتنفيذ العقوبات المعلنة على الجميع, هو العمل الجاد, النزيه, الدؤوب لجعلها ذات عوائد مثمرة على أصعدة تأسيس البنى التحتية للمشاريع الحديثة, وإعادة صياغة المتهالك مما سبق, ودفع الدعامات الباقية لأخذ مواقعها لضخ الموجود, وتدوير المستَثْمر, وتفعيل الناتج, لحصد المحاصيل, تلك التي يُتطلع منها أن تكون على مستوى الأفراد, والمشاريع, والمنجزات في جميع المؤسسات النظامية, والأهلية, من ألف المجتمع إلى يائه, أي من خلال جميع مؤسسات المجتمع التي عنتها الميزانية بأرصدتها, ولتدويرها في صالح تنمية دائمة, وعوائد على الأفراد, مع وجود يدين عن يمين, ويسار المواطن لحمايته دون السقوط في مجراها المتسارع في حين تعثره عن طريق «حساب المواطن», «وتوطين» الوظائف , وتوفير « السكن» له, وتحفيز « القطاع الخاص» للضخ من أجل أنّ يضخ في بيئة عمل عادلة, وآمنة إبداعاته, ومقدراته, ومبتكراته ..
على الرغم من أنّ لغة الأرقام ليست بتفاصيلها في دائرة معرفة الجميع, إلا أن الخطوط العريضة التي نقرأها في طموح الميزانية, وشروحات المختصين تجعلنا نتفاءل كثيراً, لأن يدرك كل مسؤول بدءاً بالوزراء, وحتى حراس المنشآت أنّ التغيير إن لم يُطهَّر الباطن في الجميع, رغبة لا رهبة، فلن يكون نتاج سلوك الخارج منهم مثمراً, ونقياً شفيفاً..
فالعمل الجاد, للتغيير المنتِج يحتاج من الصغار, والكبار همة الضمائر, ونقاء الفكر, وحمية القلب. والبذل للذات الجمعية قبل الفردية..