مها محمد الشريف
الحرب والمصالح تشكل الأمم والقادة والشعوب حسب نتائجها وتقاريرها، من خلال هذه العبارة، علينا أن نفهم ما حمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على دعم سياسة بلاده نحو واقع منقطع الصلة بين خطاباته النارية والعنيفة التي ناشد العالم فيها بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للقدس وبقطع العلاقات مع إسرائيل، وهو أول من اعترف قبل ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وتطبيع العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية .
ينبغي أن نسأل ماذا يريد السيد أردوغان؟، فالأمر لا يتعلق هنا بخصم تتم مساجلته أو صديق يستأثر بالاهتمام وترجى عودته. الواقع يخبر بأنه رئيس قوي وبلد ضعيف كما قيل عنه بعد الانقلاب الفاشل فبعد هذه الحادثة اختصر النظام السياسي عناء البحث عن سبب قوة الرئيس وضعف البلاد.
ويوما بعد يوم أخذت الأزمات المفتعلة تتسلسل كحلقات متصلة مع الاتحاد الأوروبي ومع واشنطن وموسكو والدول العربية، وهذا التدهور في العلاقات يختزن معنيين للسياسة الخارجية : القيام بمهمات تحرك الرفض الدولي في كل مراحله، وإثارة مسألة استمرار دعم واشنطن لميليشيات الحماية الكردية في سوريا بالأسلحة والمعدات العسكرية، متهما «القوات الأمريكية بالتحرك جنبًا إلى جنب مع المنظمات الإرهابية، و بأنها تزوِّد ميليشيات الحماية الكردية»، مناصبا العداء لكل الأراء المخالفة لسياسته.
أليس من الضروري الآن أن نضع تحليلا لمعرفة توجهات الرئيس التركي ؟ بعد نقل القوات الألمانية من قاعدة إنجرليك بتركيا إلى الأردن. ولماذا صوت التهديدات يرتفع في سياسة أردوغان؟ أم هي تصفية حسابات بين البلدين انعكس سلبا على علاقاته مع الغرب والعرب وتصعيد المواقف؟ عقب رفض أنقرة السماح لبرلمانيين ألمان بزيارة جنود بلادهم في القاعدة كرد فعل على منح برلين حق اللجوء لجنود أتراك.
إن الإجابة على مثل هذه الأسئلة يستغرق وقتا عطفا على موقفه الأخير مع قطر، وما نلمسه في الوقت الراهن هو زعزعة لثقة العالم بشكل عام في توجهه وسياسته الخارجية والداخلية.. لا أحد ينكر أنه يبحث عن أعداء أكثر من حرصه على كسب الأصدقاء بعد عام قسم الشعب إلى قسمين بين مؤيد ومناهض لسياسته. مما جعل تركيا الشريك الأضعف في العالم.
كان التعاطي مع الأزمات ينبئ بعالم مضطرب، وببساطة نستطيع القول إن ما يحصل لأنقرة مكلفا ولن يكون موازنا لتقدمها ومكانتها في العالم، كما جعل من بعض حلفاء تركيا أقل حماسا وتصالحا عندما يتعلق الأمر بمغامرات ثمنها باهضا، كما يحدث في الأزمة الراهنة مع قطر واتخاذ موقف غامض ضد دول الخليج ومصر.
إن غموض السياسة التركية الخارجية أو إزدواجيتها تعود إلى تلك الثنائية من التخبط في الخارج والتسلط في الداخل، والإعلام التركي حائر في توجية التهم في ذكرى محاولة الانقلاب لكثرة الأعداء، حيث توعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقطع «رؤوس الخونة» المسؤولين عن محاولة الانقلاب، وذلك خلال حفل إحياء الذكرى الأولى للمحاولة الفاشلة، التي أعقبتها حملات «تطهير» شملت اعتقال وطرد وتسريح عشرات آلاف الموظفين والعسكريين. والمعارضة تتهم الحكومة بجزء مظلم لا تريد أن تكشفه بعد حدوث فشل الانقلاب ، وتعلن للإعلام الأعداد الهائلة من المتهمين وخمسين ألفا في المعتقلات غيرعدد القتلى من المدنيين، حيث حذر قطاع الصناعة الألماني أنقرة من مخاطر تقويض الديمقراطية على مستقبلها الاقتصادي.